يمر المترجم من مجموعة من المحطات التي تمكّنه من التطور المهني. وعندما يختار المتخرج مسار المترجم المستقل، فإنه يقرر تقديم خدمات الترجمة بشكل مستقل دون الانتماء إلى شركة أو منظمة محددة. وتتراكم الخبرات من خلال مروره من مراحل تطور المترجم المستقل، بدءًا بالتعلم والتدريب ومرورا بالعمل مع شركات وسيطة بمقابل بسيط ووصولا إلى تواصله مباشرة مع العملاء المباشرين بمقابلٍ مجزٍ يعكس خبرته.
وقد تختلف هذه المراحل من مترجم لآخر، لكنني أقدم في هذا المقال مراحل تطور المترجم المستقل في العمل الحر بناءً على تجربة شخصية. وأتمنى أن تحمل بعض الفائدة للقراء الكرام.
المرحلة الأولى: اكتساب المعرفة والتدريب
يحتاج المترجم في البداية إلى اكتساب المعرفة اللازمة والحصول على التعليم الضروري في مجال الترجمة. ويجب على المترجم المستقل أن يكون على دراية باللغات التي سيترجم منها وإليها، بالإضافة إلى فهمه قواعد اللغة والثقافات المنقول منها وإليها. ويساعد التعليم في تعزيز مهارات التفكير النقدي وتحليل النصوص واستخدام تقنيات الترجمة والأدوات الضرورية في العمل.
اقرأ أيضا: لماذا تُدرَّس الترجمة؟
ولا يكفي التعلم النظري في مجال الترجمة لإعداد مترجم جيد، بل لا بد من التدريب المستمر لتطوير مهاراته ومواكبة التغيرات في مجال الترجمة وامتلاك القدرة على استخدام تقنيات وأدوات الترجمة الحديثة. ولعل العمل التطوعي في مجال الترجمة بداية جيدة لاكتساب الخبرة وأولى مراحل تطور المترجم، حيث يقدم خدمات الترجمة مجانا في سبيل الاستفادة من ملاحظات المراجع وبناء سمعة احترافية. وهو فرصة لتطوير مهاراته في الترجمة وتوسيع شبكته المهنية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يساعد في بناء علاقات جيدة مع العملاء المحتملين والمترجمين الآخرين. وفي حال عدم توفر هذه الإمكانية لأي سبب، يمكن اللجوء إلى التدريب الذاتي الذي يؤتي أكله أيضا مع مرور الوقت.
وبعد إكمال هذه المرحلة الأولى، يمكن للمترجم المستقل أن يسعى لزيادة خبرته وبناء شبكة عملاء قوية من خلال وجوده الرقمي على منصات الترجمة المستقلة وإثبات جودة عمله والاحترافية في التعامل مع العملاء.
المرحلة الثانية: بناء سمعة جيدة وبناء علاقات مهنية مع العملاء
1) الانضمام إلى المنتديات والمجموعات المعنية بالترجمة
بعد الاستعداد بالتعلم والتدريب للعمل مترجما مستقلا، تأتي خطوة بناء سمعة جيدة وإنشاء شبكة اتصالات في مجال الترجمة عن طريق انضمامك أولا إليه. وهو ما يتأتى بالانضمام إلى مواقع وجود العملاء مثل لينكد إن وبروز ومنصات الترجمة. وتعكس هذه الخطوة ثاني مرحلة من مراحل تطور المترجم المستقل. وبعد ذلك، يمكنك استخدام المهارات والخبرات التي حصلت عليها في المرحلة الأولى لزيادة فرصك للحصول على مشاريع الترجمة بعرض ترجماتك التطوعية على تلك المنصات والمواقع. ويمكنك أيضا اقتراح خدماتك المدفوعة على الجهة التي تطوعت لصالحها.
اقرأ أيضا: شركات الترجمة: كيف تعثر عليها؟
2) التعاون مع وكالات وشركات الترجمة
قد تكون هذه أول فرصة لك للعمل في مشاريع تجارية حقيقية. ولذلك ينبغي إظهار اهتمامك للتعاون مع هذه الشركات وإثبات مهاراتك لبناء سمعتك. ونظرا لانتشار عمليات الاحتيال باسم شركات الترجمة، لا بد من التأكد أولا من مصداقية الشركة قبل التعامل معها. وتتمثل فائدة العمل مع شركات الترجمة في التدرب على ترجمة أنواع متعددة من النصوص والحصول على ملاحظات المراجعين. وقد يساعدك هذا التنوع في النصوص على تحديد المجال الذي تميل إلى التخصص فيه فيما بعد. وهو ما يعينك على تحديد العميل المباشر المستهدَف في مرحلة لاحقة.
3) بناء شراكات مع مترجمين آخرين
يمكن أن تعمل مع مترجمين آخرين في تقديم خدمات الترجمة المشتركة أو المشاريع الكبيرة. ويمكن أن يزيد هذا الأمر من فرصك ويساعد في بناء سمعتك. ويمكنك أيضا أن تكتفي باقتراح المساعدة على زملائك في حال حصولهم على مشاريع تحتاج إلى ذلك. ولا تنس طلب توصيات سواء من شركات الترجمة أو غيرها من الجهات التي عملت معها لأنك قد تحتاجها لإقناع العميل المباشر بالعمل معك.
المرحلة الثالثة: توسيع دائرة الخدمات وتقديم خدمة الكتابة والتحرير
بعد أن يحقق المترجم الاستقلالية في العمل ويكسب الثقة في مهاراته الترجمية، يمكنه البدء في توسيع دائرة خدماته وتقديم خدمات إضافية إلى جانب الترجمة. وتعد خدمة الكتابة والتحرير إحدى تلك الخدمات التي تساعد على تطوير مهارة الترجمة والبحث بما أن الترجمة كتابة. ويمكنك هنا استهداف مشاريع كتابة المحتوى والمشاركة فيها.
1) كيفية تحسين مهارات التحرير وتنمية قدرات الكتابة
- التطوير المستمر: من أجل تحسين مهارات التحرير، ينبغي على المترجم المستقل أن يستثمر في التطوير المستمر لنفسه. ويمكن الاشتراك في دورات تدريبية وورش عمل لتحسين المهارات اللغوية والأساليب الكتابية ولاسيما القدرة على كتابة مقالات تظهر في نتائج البحث الأولى وتتلاءم مع محركات البحث أو ما يطلق عليه السيو. ويمكن أيضا البدء بالتطوع في هذا المجال قبل المشاركة في المشاريع المدفوعة.
- اكتساب الخبرة بالممارسة: يمكن للمترجم المستقل أن ينمي قدراته في هذا المجال من خلال العمل على مشاريع جديدة واتباع تعليمات العميل التي تفيد في تقديم نص يستجيب لمتطلباته. ويمكنه أيضًا العمل على مشاريع تحرير وكتابة خاصة به لتنمية قدراته في هذا المجال واستخدامها للترويج لخدماته من خلال التسويق بالمحتوى.
اقرأ أيضا: 10 ممارسات مساعدة على تطوير مهارات الترجمة
المرحلة الرابعة: تحديد مجال التخصص
1) تحديد تخصصك بناءً على تجاربك السابقة
في هذه المرحلة، يجب أن تحدد المجال الذي ستتخصص فيه بصفتك مترجما مستقلا. ويعتمد اختيار هذا المجال على تجاربك السابقة ومهاراتك الخاصة. وإذا كانت لديك خبرة في مجال معين أو دراسة متخصصة مثل القانون أو الاقتصاد، فقد يكون من الأفضل أن تركز على تلك التخصصات، بحيث تملك مزايا تنافسية في ذلك المجال. فعلى سبيل المثال، إذا كنت قد عملت في مجال الترجمة القانونية، فيمكنك أن تطور خبرتك في هذا المجال وتصبح متخصصًا في الترجمة القانونية. وإذا كنت تملك خبرة في الترجمة الطبية، يمكنك أن تستند إلى هذه المهارات وتتخصص في الترجمة الطبية. وإذا كان مجال الإعلانات يستهويك، يمكنك التخصص في الترجمة التجارية.
اقرأ أيضا: 12 نوعا من أنواع الترجمة التحريرية
المرحلة الخامسة: التوسع واكتساب عملاء جدد
بعد بناء سمعتك وبناء شبكة من العملاء غير المباشرين، تأتي مرحلة التوسع واكتساب مزيد من العملاء ولاسيما العملاء المباشرين لأن العائد المادي يكون أكبر. فالهدف هنا هو زيادة فرص العمل وبناء قاعدة عملاء مستدامة لأن البحث الدائم عن عملاء إحدى سمات العمل الحر.
1) استهداف العملاء المباشرين بناءً على تخصصك
بعد تحديد مجال تخصصك، يمكنك تسويق خدماتك بفعالية للعملاء المحتملين في ذلك المجال. فإذا كان لديك تخصص واضح، سوف يزيد ذلك من فرص حصولك على عملاء وتقييمات إيجابية منهم. وسيسهل عليك تحديد عملائك ومكان وجودهم بناءً على مجال عملهم والتواصل معهم على ذلك الأساس. ولذلك، لا بد من التوقف عند مهارات التسويق وتعلمها للتعرف على الطرق الممكنة للوصول إلى عملائك. وبذلك ستوسع قاعدة عملائك بوجود شبكة العلاقات المهنية التي بنيتها في تجاربك السابقة. وقد تصل إلى مرحلة تتوقف فيها عن العمل مع الوسطاء وتقتصر على عملائك المباشرين.
ويمكنك تحديد العميل المباشر والبحث عن معلوماته على شبكة الإنترنت للتواصل معه مباشرةً. وينبغي أن تكون كل رسالةٍ خاصةً بكل عميل وتُظهر معرفتك المسبقة بأعماله واهتمامك بها. ويمكنك تقديم نماذج أعمالك السابقة وشهادات التقدير المقدَّمة من عملائك السابقين لزيادة ثقة العملاء الجدد، ولكن دون إرسالها في المرفقات. وأفضل طريقة لذلك إدراجها في موقعك الإلكتروني الشخصي أو صفحتك على لينكدإن وإدراج الرابط في توقيعك بعد نص رسالتك. وبفضل هذه الخطوات، يمكنك زيادة فرص العمل على مشاريع جديدة وتوسيع قاعدة عملائك.
2) إعداد موقع خاص واعتماد علامة تجارية للمترجم المستقل
أصبح الآن من السهل إنشاء موقع إلكتروني بوجود قوالب جاهزة. وسيساعدك وجود موقع مستقل خاص بك على إظهار خبراتك وخدماتك وتوصياتك ونماذج أعمالك باحترافية وفي مكان واحد مستقل. وهو ما يساعد العميل المباشر على التعرف عليك بسهولة دون أن يضطر إلى تحميل أي وثيقة مثل السيرة الذاتية. فموقعك الإلكتروني هو سيرتك الذاتية. لا تتردد في استخدام تصاميم وألوان بسيطة وجذابة تسهّل تصفح موقعك. قدِّم نفسك بشكل احترافي ووضِّح قدرتك على تقديم الخدمات اللغوية أو خدمات الترجمة.
المرحلة السادسة: التعاقد مع مؤسسة واحدة بناء على الخبرات السابقة في المجال الحر
تبقى هذه المرحلة اختيارية لكل مترجم حسب الإيجابيات والسلبيات التي يراها في العمل الحر وأولوياته. فالعمل الحر يمنح صاحبه الحرية في اختيار نوع العمل والعملاء ومكان عمله والمرونة في أوقات العمل ويدفعه لتعلم مهارات جديدة مثل التسويق والتفاوض. وعندما يكوّن قاعدة عملاء كبيرة أو كافية لتحقيق دخل مناسب، أو على الأقل حينما يقدم خدماته بسعر مجز، قد يكون العمل الحر خياره الأفضل. ومع ذلك، يسعى عدد من المترجمين إلى تتويج مسيرتهم المهنية بالعمل لدى جهة واحدة بدوام كامل للحصول على راتب ثابت يوافق خبراتهم ومهاراتهم وللتركيز على مهماتهم اللغوية دون غيرها.
اقرأ أيضا: 10 مميزات لوظيفة المترجم
المرحلة السابعة: استثمار مدخولك وخبراتك لتحقيق دخل سلبي
في الواقع، قد تكون هذه المرحلةُ متوازيةً مع المرحلة التي تتمكن فيها من توفير المال من عملك الحر في مجال الترجمة. وقد تحقق لك الحرية المالية مستقبلًا حينما تضطر أو ترغب في أخذ استراحة مطولة من عملك. ويأخذ هذا الأمر وقتا طويلا ليحقق عائدا ماديا يمكن الاعتماد عليه. فأنت بهذا الإجراء بصدد بناء مصدر دخل آخر. وبناءً على نصائح متخصصين في الميدان، يمكن الاستثمار في مشاركة خبراتك عن طريق دروس على موقع خاص أو يوتيوب أو مواقع التعلم أو نشر كتب إلكترونية أو البيع بالعمولة على المواقع المتخصصة أو تقديم خدمات استشارية في مجال الترجمة أو عن طريق الاستثمار في العقار أو تأجيره.
خلاصة وتوصيات
إذا كنت ترغب في خوض مسار احترافي بصفتك مترجما مستقلا وسلك مراحل تطور المترجم، من المهم الاستمرار في تطوير مهاراتك والاطلاع على التقنيات الحديثة في مجال الترجمة والبحث المستمر عن عملاء وتعزيز علاقتك معهم بتقديم عمل يتسم بالجودة والاستجابة السريعة لاحتياجاتهم. ويجب أيضا أن تدير وقتك على نحو فعال لاحترام مواعيد التسليم النهائية، وتروج لخدماتك دون كلل، وتحدد أسعار خدماتك بشكل عادل يراعي خبرتك وجودة خدماتك وتكون مع ذلك مستعدا للتفاوض في حدود ما هو معقول. وباتباع هذه النصائح والتوصيات، يمكن للمترجم المستقل تعزيز فرصه في بناء مسارٍ مهنيٍّ غنيٍّ بالخبرات وتحقيق مدخولٍ مجزٍ.
اقرأ أيضا: ما سبب فشل المترجم في العمل الحر؟
مصدر الصورة: freepick