إيجابيات وسلبيات العمل في الترجمة

إيجابيات وسلبيات العمل الحر في مجال الترجمة انطلاقا من تجربتي


كثُر الحديث في العالم العربي عن العمل الحر (الفريلانس) على نحو ملحوظ. وفي خضم هذه الحركة، ظهرت منصات ومواقع إلكترونية عديدة موجهة للعمل الحر. وتُعد الترجمة أحد المجالات التي استفادت من الثورة الرقمية وما صحِبها من تطور تكنولوجي سهّل التواصل وقصّر المسافات. ولكنه حمل معه أيضا إيجابيات وسلبيات.

وتَمكّن المترجمون من الانخراط في العمل الحر لاعتمادهم في عملهم على المعدات الإلكترونية والإنترنت. فبينما يتجه عدد مهم من المترجمين نحو العمل الحر نظرا إلى مزاياه، يُفضّل آخرون العمل مترجمين بدوام كامل لصالح مؤسسة أو شركة ما بسبب العيوب التي تحيط بعمل المترجم المستقل. وبالتالي، يأتي اختيارهم بعد النظر في إيجابيات وسلبيات هذه المهنة.

وقد تختلف آراء المترجمين المستقلين عن مهنتهم حسب طبيعة تجاربهم الخاصة. ولذلك أعرض فيما يلي إيجابيات وسلبيات استخلصتها من تجربتي والتي قد تساعدك في اتخاذ قرارك بشأن اختيار هذه المهنة أو صرف النظر عنها.

أولا- إيجابيات عمل المترجم المستقل:

1- المرونة في أوقات العمل:

يتسم عمل المترجم المستقل بالمرونة من حيث ساعات العمل، إذ يستطيع أن يختار الأوقات التي تناسبه والساعات التي يرى فيها نفسه منتجا أكثر. فقد يختار مثلا بدء العمل فجرا بينما أفراد الأسرة نيام. ويتميز عمل المترجم الحر بغياب أوقات عمل رسمية، وهو ما يسمح للمترجم المستقل بالاستفادة من ساعات يومه كاملة. فيخصص الأوقات التي يكون فيها تركيزه عاليا للعمل، ويوجه الساعات التي يكون فيه أقل إنتاجية لمهام لا تحتاج إلى تركيز كبير. وبذلك يكون قد استفاد من يومه على نحو مثمر. ويمكنه أيضا أن يختار أيام الراحة والعطل في الأوقات التي تناسبه.

2- حرية اختيار الزي:

لا توجد سلطة عليا تفرض على المترجم المستقل أن يلتزم بهندام رسمي أو ذي مواصفات معينة. وفي ظل وجود مؤسسات تُمكّن الرئيس في العمل من تقييم هندام مرؤوسه ليُدرَج في سجل الموظف، يوجه المترجم المستقل طاقته كاملة للإنتاجية والعمل دون مؤثرات خارجية. ويكتفي المترجم الحر بارتداء ملابس مريحة في عمله المنزلي. وبذلك يستطيع أن يوفر ثمن البدل الرسمية المخصصة للعمل والاكتفاء بما يحتاج ارتداءه عادةً عند مغادرته المنزل.

3- اختيار مكان العمل:

يملك المترجم حرية اختيار مكان عمله ليستجيب لمتطلباته كاختيار غرفة في منزله أو اكتراء مكتب مشترك مع زملائه من باب التوفير. وقد يرغب في تغيير المكان من حين لآخر عن طريق اختيار مقهى يوفر خدمة الإنترنت. ويمكنه أيضا في بعض الظروف الخاصة كالمرض ألا يعمل حتى يشعر بتحسّنٍ أو يعمل عند الإمكان دون مغادرة سريره باستخدام مثلا طاولة الحاسوب المتنقلة. ويُساعد العملُ من المنزل المترجمَ المستقل في توفير مصاريف النقل التي كان يدفعها في تنقله اليومي إلى مقر العمل، وفي توفير الجهد أيضا الذي يبذله في التنقل، ولاسيما في المدن الكبرى.

4- الحرية في اختيار نوع العمل والعميل:

لا نقصد الحرية المطلقة التي تجعل عمل المترجم المستقل عشوائيا، وتؤثر في إنتاجيته ومدخوله. فينبغي أن يكون هذا المترجم قادرا على إدارة وقته والتحكم فيه دون رقيب أو حسيب. وتتجلى بعض صور هذه الحرية في إمكانية أن يطرح المترجم أفكارا جديدة تفيده في عمله ويطبقها دون التضييق عليها من جهة أخرى. وهو ما يُخرجه من الروتين والملل. ويمكنه أيضا-حسب أولوياته- أن يختار المشاريع التي يبدع فيها ويرفض ما يخالف قناعاته. ولا يكون المترجم مجبرا على العمل مع جهة واحدة وإنما يحق له أن يعمل لفائدة عدة أشخاص أو مؤسسات لزيادة مدخوله وتحسين وضعه. وكلما زادت خبرة المترجم وتطوّرت مهاراته، أمكنه زيادة سعر خدماته والتعامل مع عميلٍ يدفع له مقابلا مجزيا على نحو أكبر نظير خدماته.

5- تحقيق دخل إضافي:

يختار أحيانا الموظف بدوام كامل العمل الحر في الترجمة كمصدر دخل إضافي، إما اضطرارا لأن مدخوله الأساسي غير كاف أو اختياريا لتعزيز مهاراته في الترجمة مثلا. وكيفما كانت أسبابه، فإن انخراطه في العمل الحر يوفر له دخلا إضافيا.

6- العمل عن بُعد:

يكون عمل المترجم المستقل عموما عبر الإنترنت. ولذلك فإن حضوره الجسدي في مقر العمل غير ضروري بالمرة. وتسمح الآن وسائل التواصل بِعقد لقاءات متلفزة مباشرة تغْني المترجم عن السفر إلى مقر المؤسسة من أجل مناقشة عمله.

وتتعاقد أحيانا بعض المؤسسات مع المترجم الحر لفترات محدودة وقصيرة قِصَر فترة المشروع لكي يعمل داخل المؤسسة في أوقات معينة. ويختار بعض المترجمين خوض هذه التجربة بعد توقيعهم على العقد الذي يكون قصير الأجل ومحدودا، نظرا لما قد يستفيدونه من خبرات وعلاقات مهنية ينسجونها مع العاملين في تلك المؤسسة. وسرعان ما تنتهي هذه التجربة ويعود إلى عمله المستقل.

ثانيا- سلبيات العمل الحر في الترجمة:

1- راتب غير ثابت:

يعتمد مدخول المترجم على الجهد الذي يبذله في عمله الحر. فكلما زادت وتيرة عمله، ارتفع مدخوله. ولكن مدخوله ينحسر عندما يتوقف عن العمل لعارض ما كالمرض. وأما إذا كانت للمترجم شركة وشبكة مترجمين، قد يكتفي بإسناد الأعمال إليهم وتنظيمها. ولكن ترتبط استمرارية عمله وبالتالي مدخوله بالبحث الدائم عن عملاء محتملين وتسويق أعماله لجذب المزيد من العملاء. وتستلزم منه هذه المهام الإلمام بمهارات إضافية كالتسويق. وبما أنه قد يواجه فترات تنخفض فيها وتيرة العمل، ينبغي أن يكون قادرا على تدبير مدخوله بحيث يكفيه لتغطية مثل هذه الفترات من الركود. ولذلك يلجأ مترجمون إلى العمل الرسمي لضمان الحصول على مبلغ مالي في نهاية كل شهر كيفما كانت وتيرة العمل.

2- البحث الدائم عن العملاء:

يمكن للعميل أن يوقف التعامل مع المترجم المستقل دون سابق إنذار. ويحق للعميل اتخاذ هذا القرار مهما كانت أسبابه. وقد يشكل الاعتماد على عميلٍ واحدٍ مشكلةً حقيقيةً. وتظهر عواقب ذلك في حال اتخذ ذلك العميل الوحيد قرار إنهاء التعامل. ولهذا السبب، يعد البحث الدائم عن عملاء أحد مواصفات العمل الحر في مجال الترجمة وضرورةً للحصول على أكثر من عميل. ويَعتبره عدد من الأشخاص جانبا سلبيا في العمل الحر لأنه يعطي شعورا بعدم وجود أمانٍ وظيفيٍّ. وهو ما قد يسبب حالة من التوتر والضغط النفسي للمترجم المستقل المطالَب بتغطية مصاريفه ودفع الفواتير.

3- تعدد المهام:

قد يجد البعض أن تعدد مهام المترجم المستقل أمرٌ محمودٌ لأنه يقاوم روتين الوظائف الرسمية. ولكن لا يكون كل شخص مستعدا للقيام بكافة المهام المنوطة بالمترجم المستقل. ويختار بعض المترجمين العمل في مؤسسات لكي تقتصر مهامهم على تخصصهم وهو الترجمة وتُحال المهام الأخرى إلى الأقسام المتخصصة فيها. وأما بالنسبة للمترجم المستقل، فإن مهامه تشمل البحث عن العملاء والتسويق والتفاوض وإعداد الفواتير.

4- التغطية الصحية والتقاعد:

يلجأ مترجمون إلى العمل في المؤسسات انطلاقا من فكرة ضمان انخراطهم في التغطية الصحية وحصولهم على تقاعد في نهاية الخدمة. ويحتاج المترجم إلى أن يقتطع من مدخوله مصاريفَ التغطية الصحية والتقاعد. ولذلك ينبغي عليه أن يأخذ في الحسبان هذه المصاريف عند تحديد أسعار خدماته. ويستطيع المترجم المستقل أن ينخرط بنفسه بصفته شركة مستقلة أو مقاولة في التغطية الصحية ونظام تقاعد خاص، وذلك حسب أنظمة البلد الذي يقيم فيه والقواعد المعمول بها.

5- غياب نقابة أو جهة تنظيمية لعمل المترجم المستقل:

ما زال المترجم المستقل يواجه خطر التحايل عليه وعدم حصوله على مستحقاته المالية كاملة. ولا توجد بعدُ جهة رسمية معيّنة يمكن للمترجم المستقل أن يحتكم إليها من أجل الدفاع عنه في حال وقوع احتيال على المترجم. وعلى الرغم من أن بعض المواقع تساعد المترجم على التحقق من مصداقية الزبون قبل الاتفاق معه وتعطي لمحة عن سمعة بعض الشركات، إلا أن هذه المبادرة لا تقدم حلا جذريا لهذه المشكلة لأن العديد من الشركات أو الأشخاص المحتالين لا ينخرطون في تلك المواقع. وبالتالي، فإنهم يفلتون من إمكانية تحديد مدى نزاهتهم. ولهذا فالمترجم معرّض في أي وقت للاحتيال، إلا إذا اتخذ مجموعة من الإجراءات الوقائية. وإضافة إلى ذلك، لا يلتزم جميع المترجمين بالحد الأدنى للأسعار المتعارف عليها عالميا. ومن ثم يعرف سوق الترجمة فوضى عارمة ومنافسة شرسة غير عادلة.

6- انتشار دخلاء في مجال الترجمة:

يدخل عالم الترجمة كل من درس لغتين أو أكثر. وهو ما لا يعني بالضرورة إجادة الترجمة، وهذا ما يدركه جيدا المترجمون المهنيون المتخصصون في هذا المجال. وهو ما أدى إلى وجود مترجمين غير مهنيين مستعدين للقيام بأي نوع من الترجمة بمقابلٍ مادي زهيد. ويقدم هؤلاء الأشخاص أنفسهم بصفتهم مترجمين محترفين، غير أن أعمالهم وتعاملهم أثبتا العكس. وهذا ما أدى إلى فقْد بعض العملاء ثقتهم في المترجمين المستقلين وتفضيلهم العمل مع مكاتب ووكالات الترجمة المعتمَدة.

خاتمة

وفي الختام، فإن لكل عمل إيجابيات وسلبيات. ويرتبط اختيار الفرد هذه المهنة بمدى قدرته على تحمل التحديات/السلبيات التي يطرحها العمل الحر في الترجمة. وقد تختلف الآراء عن هذه المهنة باختلاف تجارب أصحابها.


فكرتين عن“إيجابيات وسلبيات العمل الحر في مجال الترجمة انطلاقا من تجربتي”

اترك تعليقاً