تُشير النقحرة في الترجمة إلى عملية نقل الألفاظ أو الأصوات بشكل حرفي من لغة إلى أخرى بنظام كتابة اللغة الهدف. ويكون استخدام النقحرة أو النقل الحرفي للكلمة ضروريا في حالات منها الحاجة إلى الحفاظ على البعد الدلالي للمفهوم أو رغبة الكاتب في ترسيخ صورة ذهنية معينة لدى المتلقي في الترجمة التسويقية مثلا. ولا بد من الإشارة إلى مصطلحات أخرى ترد في هذا السياق مثل الرومنة (Romanization) واللتننة (Latinization) والعوربة (Arabization).
ويشير عدد من المراجع إلى أن الرَّومَنة واللتننة مترادفان حيث يحيلان على النقل الصوتي لحروف الكلمة في لغة ما إلى الحروف الرومانية/اللاتينية. وأما العوربة فهي نقل حروف الكلمة الأجنبية إلى الحروف العربية كما تُنطق، في حين أن التعريب هو “إدخال ألفاظ أجنبية إلى اللغة العربية على نحو يتلاءم مع خصائص اللغة العربية”1. وعليه، فإن النقحرة تشمل النقل الحرفي من لغة إلى أخرى بشكل عام، بينما الرومنة واللتننة والعوربة تشير ضمنيا إلى اللغة المنقول إليها.
سنتعرف في هذا المقال على أسباب استخدام النقحرة في الترجمة وقواعدها وبعض الأمثلة التوضيحية.
أولا- أسباب استخدام النقحرة في الترجمة
يستخدم المترجم النقحرة عندما يستنفد كافة السبل المتاحة أمامه من تقنيات وأساليب أثناء عملية الترجمة. وتعد آخر خيار يلجأ إليه المترجم لأن النص الذي يعج بالكلمات المنقحرة قد يصعب فهمه. ولكن توجد أسباب تدفع المترجم إلى النقحرة كالأسباب التالية:
1) غياب مكافئ لفظي معجمي
يتمثل أحد أسباب استخدام النقحرة في الترجمة في غياب مكافئ لفظي معجمي ووظيفي للمصطلح في اللغة الهدف كما هو الحال في عدد من المصطلحات الإسلامية. فقد تُفضي ترجمة لفظ زكاة (Zakah) مثلا إلى إفراغه من دلالته الإسلامية وإفقاده مجموعة من الخصائص أو إكسابه خصائص أخرى تُشكل مفهوما مختلفا آخر في الثقافة المنقول إليها. ولذلك، يقع الاختيار في عدد من الترجمات الدينية على نقحرة مصطلح الزكاة بدل ترجمته لعدم وجود مفهوم في الثقافة الغربية يحمل خصائصه مثل نسبته وأوقاته التي تؤدى فيها2.
2) ترسيخ صورة ذهنية معينة لدى الجمهور المستهدَف
يوجد سبب آخر لاستخدام النقحرة في الترجمة هو ترسيخ صورة معينة أو إحداث رد فعل معين لدى الجمهور المستهدف عند سماعه أو قراءته اسم المنتج أو العلامة التجارية، لأن ترجمتهما ستجعل المنتج غريبا لا يعني للمتلقي شيئا، وهو ما ينطبق على نقحرة اسم العلامة التجارية آبل (Apple) وسامسونج (Sumsung) وأولمبيك إلكتريك (Olympic Electric).
3) إحالة القارئ على الشخصية المذكورة في اللغة المصدر
يكون من الضروري أيضا نقحرة أسماء الأعلام والشخصيات لأن ترجمتها تعني تغيير اسم الشخص المذكور في النص الأصلي، مثل زها حديد (Zaha Hadid) والجاحظ (Al-Jahiz). وهو ما يستلزم معرفة اللفظ الصحيح للاسم في اللغة المصدر نظرا لوجود أسماء لا تُلفظ بعض حروفها مثل فايفر (Pfifer) أو تُنطق بشكل مختلف مثل خوان (Juan). وتجدر الإشارة إلى ضرورة الحفاظ على النسخة المترجَمة لعدد من أسماء الشخصيات التاريخية أو الدينية لأن محاولة نقحرتها كأي اسم علمٍ آخر سيجعلها غير معروفة للقارئ مثل اسم Caesar وAverroes اللذين يُترجمان إلى اللغة العربية على التوالي: قيصر وابن رشد.
اقرأ أيضا: كيف تترجم الأسماء إلى اللغة العربية؟
4) تيسير وصول القارئ إلى المَراجع والمصادر
تُستخدم النقحرة في الترجمة كذلك عند نقل عنوان عملٍ ما ليسهل الوصول إليه في لغته الأصلية. ونجد مثلا بعض المترجمين أو الباحثين يضيفون نقحرةً بالحروف اللاتينية لاسم العمل الأدبي العربي -إلى جانب ترجمته- عند الحديث عنه باللغة الأجنبية مثل نقحرة المنجد (Al-Munjid). وتكتب غالبا المراجع المنقحرة بالخط المائل لتمييز أنها كُتبت بلغة أجنبية.
اقرأ أيضا: كيف تترجم المصادر والمراجع؟
ثانيا- قواعد النقحرة في الترجمة
تختلف أنظمة نقحرة الحروف العربية إلى الحروف اللاتينية باختلاف المؤسسات التي وضعتها، منها الأيزو ومكتبة الكونغرس والمجلات مثل مجلة أرابيكا ومجلة العالم الإسلامي والمتوسطي. وعلى الرغم من وجود قواعد منهجية لكتابة الأسماء العربية بحروف لاتينية، فإن المجامع اللغوية العربية لم تحدد بعدُ كيفية كتابة الأسماء الأجنبية بالحروف العربية3. وفيما يلي بعض الجهات التي وضعت قواعد للنقحرة من العربية إلى اللاتينية:
1) الجمعية الشرقية الألمانية (DMG)
أسسها المستشرق الألماني فلايشر في عام 1845م وكانت تقوم بتحقيق المخطوطات العربية. ولهذا الغرض، وضع المستشرقون الألمان قواعد منهجية لكتابة الأسماء والمصطلحات العربية بحروف لاتينية.
2) نظام الأبجدية الصوتية الدولية العربية (AIPA)
هو نظام كتابة شامل ابتكرته الجمعية الصوتية الدولية لمقابلة الأبجدية الصوتية الدولية بالأبجدية العربية. ويستخدم هذا النظام اللغويون ومتعلمو اللغات الأجانب والممثلون ومؤلفو المعاجم والمترجمون.
3) نظام الأيزو 233 (ISO 233)
هو معيار دولي لنقحرة الأحرف العربية باستخدام الأحرف اللاتينية بهدف تيسير تبادل المعلومات على الصعيد الدولي. ويخضع لمراجعة دورية ويُنشر على شكل دوريات منقحة. وهو غير متاح بالمجان على خلاف مؤسسات أخرى توفر نظام النقحرة على الإنترنت دون مقابل.
4) نظام مكتبة الكونغرس
اعتمدت مكتبة الكونغرس في وضع نظام النقحرة على ثلاثة مراجع: جداول النقحرة العربية لمكتبة الكونغرس، ومعجم اللغة العربية المعاصرة لهانز فير، والمنجد في اللغة والأعلام.
5) نظام نقحرة هانز فير
هو نظام لـنقحرة الأبجدية العربية إلى الألفبائية اللاتينية المستخدمة في قاموس هانز فير (1952). واستُخدم هذا النظام بعد عقد المؤتمر الدولي للمستشرقين في عام 1936م.
6) نظام الأمم المتحدة في نقحرة الأسماء الجغرافية
اعتمدت الأمم المتحدة في مؤتمرها المعني بتوحيد الأسماء الجغرافية في عام 2017 نظاما قياسيا لنقحرة الأسماء الجغرافية من الحروف العربية إلى الحروف اللاتينية.
ثالثا- أمثلة النقحرة
انتفاضة | Intifada |
القرآن | Qur’ān |
الكعبة | Ka‘bah |
كوسوفو | Kosovo |
مكة | Mecca |
الشيخ | Sheik |
حديث | Hadith |
شاورما | Shawarma |
العدة | iddat |
روبرت | Robert |
ياسر | Yasser |
غرام | Gram |
السنة | Sunna |
إمام | Imam |
الجهاد | Jihād |
عيد الفطر | Eid al-Fitr |
الفاتحة | Fatiha |
السلام عليكم | As-salamu alaykum |
وفي الختام، لا يوجد نظام موحد للنقحرة كما توضح الأمثلة السابقة لقواعد النقحرة في الترجمة. ولذلك، قد نجد مقابلات مختلفة للكلمة الواحدة حسب طريقة نقحرتها مثل اسم النبي محمد (ص)4 الذي اختلفت طرق نقحرته مثل Muhammad وMuhamed وMuhamad وغيرها.