يُعد التصحيح اللغوي أو المراجعة من بين المهام المنوطة أحيانا بالمترجم. وتتطلب هذه المهمة تحديد أنواع الأخطاء في الترجمة سواء اللغوية أو غير اللغوية، وتحري السلامة اللغوية للترجمة، وإجراء التعديلات التي تُسهم في فهم المعنى. فالهدف من الترجمة في النهاية هو تقديم نص واضح المعنى وخالٍ من كافة أنواع الأخطاء.
وتجدر الإشارة إلى أن التصحيح اللغوي يختلف عن المراجعة. ويكفي التذكير بأن التصحيح اللغوي يقتصر على قراءة الترجمة دون مقارنتها بأي نص آخر، بينما تتطلب المراجعةُ المقارنةَ بين النص الأصلي والنص المُترجم. ولتحديد بعض أنواع الأخطاء في الترجمة، لا بد من مقارنة النص الأصلي بالمترجَم. ويسمح لك التعرف على أنواع الأخطاء في الترجمة بمعرفتها وبالتالي محاولة تفاديها في ترجماتك.
أنواع الأخطاء في الترجمة
يحدد المراجع أنواع الأخطاء في الترجمة لتبرير اختياره وتمكين المترجم من الاطلاع عليها للاستفادة منها وتفاديها مستقبلا. وقد يحصل المراجع على قائمة من العميل تحدد أنواع الأخطاء اللغوية وغير اللغوية التي ينبغي أن يحددها خلال عملية المراجعة.
وتنقسم أخطاء الترجمة إلى أربعة (4) أقسام، وهي: أخطاء في الدقة، وأخطاء مصطلحية، وأخطاء لغوية، وأخطاء في الشكل.
أولا- أخطاء في دقة الترجمة
يرد في كثير من عروض العمل الخاصة بالمترجم شرط دقة الملاحظة. فعندما يكون المترجم دقيق الملاحظة، فإنه لا يغفل عن أدق التفاصيل في النص الأصلي والتي ينقلها المترجم إلى النص المُترجَم. ويمكن تقسيم أخطاء الدقة في الترجمة إلى ستة (6) أنواع على النحو التالي:
1- ترجمة غير صحيحة
تكون الترجمة غير صحيحة عندما لا تعكس المعنى الوارد في النص الأصلي. وهو ما يشمل الترجمة الحرفية وعدم وضوح المعنى واتسامها بالغموض.
2- الإسقاط/الإضافة
عندما يرتكب المترجم خطأ الإسقاط، فإنه لا ينقل معلومةً مذكورة في النص الأصلي ويحذفها خلال الترجمة. وأما في الإضافة، فإن المترجم يدرج معلومةً جديدةً في النص المترجم لم ترد في النص الأصلي.
3- مقطع غير مترجم
قد يترك المترجم جزءا في النص الأصلي غير مترجم، بينما يكون من الضروري ترجمته. وفي المقابل، قد يحتوي النص الأصلي على أسماء أو عناوين لا تحتاج إلى ترجمة. فقد يطلب العميل إبقاء اسم الشركة أو المنتج مثلا دون ترجمة. وقد يغفل المترجم أيضا عن ترجمة التذييلات الواردة في أسفل الصفحة ويتركها غير مترجمة. وهو ما يصنف أيضا خطأ في دقة الترجمة.
4- عدم الاتساق
عندما يقع اختيار المترجم على مقابلٍ معينٍ، ينبغي استخدام ذلك المقابل في النص كله ليكون النص منسجمًا. فعلى سبيل المثال، إذا اختار المترجم أن يكتب الأشهر بصيغة ثنائية (فبراير/شباط)، ينبغي أن يعتمد الصيغة ذاتها في كل النص وإلا أصبح النص غير متسق. وهو ما ينطبق أيضا على العناوين. فإذا تُرجم عنوان بطريقة ما في الفهرس، ينبغي إدراج هذه الترجمة عند وروده داخل النص.
5- المراجع والإحالات
قد يحتوي النص الأصلي على روابط تحيل على مراجع خارجية كموقع أو كتاب إلكتروني. وينبغي أن ينقل المترجم تلك الروابط بدقة خلال الترجمة بحيث لا ينقصها حرف يعيق الوصول إليها. وإذا كان المرجع متوفرا باللغة المنقول إليها، ينبغي استبدال الرابط ليأخذ القارئَ إلى النسخة المتوفرة بلغة النص المترجَم.
وأما إذا كان الرابط في النص الأصلي يحيل على جزءٍ آخر من الوثيقة نفسها، فينبغي تعديله ليؤدي الدور ذاته في النص المترجَم. وهو ما ينطبق مثلا على عناوين الفصول في الكتاب التي تأخذ القارئ عند النقر عليها إلى ذلك الفصل.
6- عدم تطابق الأرقام
قد لا تتطابق الأرقام الواردة في النص الأصلي والترجمة بسبب حدوث سهو خلال الترجمة. ويُصنَّف خطأ لأنه تغيير في معلومات النص الأصلي.
ثانيا- الأخطاء المصطلحية
1- عدم توحيد المصطلحات
ينبغي مراعاة الاتساق في الترجمة من خلال اعتماد مصطلحات موحدة في النص بأكمله. ولا تُقبل ترجمة المصطلح نفسه بمقابلات مختلفة في الترجمة الواحدة.
2- عدم الالتزام بالمصطلحات الخاصة بالعميل
إذا حدد العميل قائمة المصطلحات المعتمدة عنده، ينبغي الالتزام بها واعتمادها في ترجمة وثائقه. ولا داعي في هذه الحالة للاجتهاد واعتماد مصطلحات اقترحتها جهة أخرى ولو كانت منظمة ذائعة الصيت.
3- عدم اعتماد المصطلحات القياسية في مجال النص
لكل مجال متخصص مصطلحاته. لذلك، ينبغي اعتماد المصطلحات الخاصة بمجال النص الأصلي في الترجمة.
ثالثا- الأخطاء اللغوية
1- الخطأ النحوي
هو الخطأ في استعمال قواعد النحو والإعراب بما في ذلك الرفع والضم والكسر في غير موضعه وتذكير الأعداد وتأنيثها… مثال: الخطأ: لا تنسى، صوابه: لا تنس، تعليله: “لا” أداة جزم.
اقرأ أيضا: أخطاء نحوية متكررة في الترجمة وتصحيحها مع الأمثلة
2- الخطأ الإملائي
هو الخطأ في كتابة حروف الكلمة كتابةً صحيحة ككتابة الهمزات وزيادة حرف لم تنص عليه قاعدة إملائية. مثال: الخطأ: قاءل، صوابه: قائل، تعليله: لأن الهمزة مكسورة وحركة ما قبلها السكون.
3- الخطأ التركيبي
هو عدم تركيب الجمل تركيبا سليما بحيث يتأثر المعنى فلا يكون واضحا أو كاملا أو دقيقا. ويرتبط الخطأ التركيبي ببنية الجملة ويشمل الألفاظ المكونة للجملة والعلاقة بينها. ويدخل في الخطأ التركيبي عدم ترتيب عناصر الجملة ترتيبا صحيحا كأن يقدّم الفاعل على الفعل في موضع لا يصح فيه ذلك. وهناك من يصنف الحشو في الأخطاء التركيبية أو في الأخطاء الأسلوبية. ويعني الحشو استخدام كلمات زائدة لا فائدة منها ولا لزوم لها. ويمكننا التعبير عن المعنى ذاته بكلمات أقل. وتندرج في أخطاء التركيب أيضا أخطاء التعريف والتنكير والأخطاء في استعمال حروف الجر (مثال: سافر للمدينة، والصواب: سافر إلى المدينة).
4- الخطأ في الأسلوب
هو الخطأ في استعمال الكلمة في غير محلها الصحيح لتعطي المعنى المُراد التعبير عنه أو إدراج كلمة في غير محلها في التعبير الاصطلاحي. مثال: الخطأ: يُنظر إليه بالبنان، صوابه: يُشار إليه بالبنان. ومع أن التكرار يكون مفيدا لتأكيد المعنى وتحقيق غايةٍ جماليةٍ، إلا أنه قد يؤثر في أحيان أخرى على الأسلوب. وفي هذه الحالة، سيكون من الأفضل إزالته مثل تكرار الفعل الواحد عدة مرات كفعل “قال”. فبدلًا من تكرار فعل قال، يُمكن استخدام أفعال أخرى مثل أضاف وذكر وأشار وأوضح وغيرها من الأفعال التي تزخر بها اللغة العربية.
وعمومًا، يختلف الأسلوب من مترجمٍ لآخر. ولكن، يحتاج الأسلوب للتغيير إذا كانت الصياغة تُحدث لبسا عند القارئ أو تجعل الفكرة غير واضحة أو وجود أخطاء أسلوبية كالمذكورة سابقا. وأما إذا لم يكن ثمة خطأ في الجملة، فلا يحتاج المصحح إلى تغيير الأسلوب. وفي هذا السياق، يطلب صاحب شركةٍ في أحد المواقع من المراجعين احترام أسلوب المترجمين وإجراء التعديلات الضرورية فقط وتفادي إقحام الأسلوب الشخصي إقحامًا، ويُذكّرهم بأن مهمّتهم تتجلى في مراجعة ترجمة زميل آخر وليست إعادة الترجمة. وإضافةً إلى ذلك، فإن الاحتفاظ بالأسلوب يسمح بربح الوقت. ويمكن لكل مترجم أن يعطي اقتراحا مختلفا بأسلوب مختلف. وبالتالي، لا داعي لإجراء تعديل لا يمكن تبريره.
5- الخطأ في استخدام علامات الترقيم
هو الخطأ في نقل علامات الترقيم كما هي دون مراعاة طبيعة اللغة المنقول إليها على نحو يؤثر في المعنى واللغة. فعلى سبيل المثال، ينبغي أن تُستبدل الفاصلة في بعض المواضع بواو العطف، بينما ينبغي أحيانا أن ترافق الروابط علامات الترقيم لتتضح العلاقة بين الجملتين.
اقرأ أيضا: كيف تُتَرجم علامات الترقيم؟
6- الخطأ المطبعي
هو خطأ الكتابة عند الطباعة باستخدام الحاسوب. والخطأ الأكثر شيوعا هو ترك مسافة بين الواو والكلمة التي تليها. فعندما تقع الكلمة في آخر السطر، تنفصل عن واو العطف التي تبقى معزولة في آخر السطر. ونفس الأمر ينطبق على علامات الترقيم والكلمات التي تسبقها كترك مسافة بين الكلمة والفاصلة التي تليها.
رابعا- أخطاء في الشكل
تتعلق هذه الأخطاء بشكل الوثيقة النهائي بعد الانتهاء من عملية الترجمة، وهي كالآتي:
1- عدم مطابقة صيغة الوثيقة الأصلية
عندما يرسل العميل وثيقةً بصيغة بي دي إف أو الوورد أو غيرهما، يُفترض إرسال الترجمة بصيغة النص الأصلي، إلا إذا أعطى تعليماتٍ بخلاف ذلك. وأما إذا استخدم المترجم أحد برامج الترجمة بمساعدة الحاسوب، فقد لا تطرح صيغة الوثيقة مشكلةً لأن البرنامج لن يغيّر الصيغة الأصلية. وأما عندما يستخدم المترجم أداة الترجمة بمساعدة الحاسوب السحابية التابعة للعميل، فقد لا تطرح صيغة الوثيقة مشكلةً لأن مهمته في الغالب تقتصر على عملية الترجمة. وستخضع الترجمة بعد ذلك إلى المراجعة قبل حصول العميل على النسخة النهائية بالصيغة المطلوبة.
2- خطأ في اسم الملف أو الوثيقة المرسَلة
قد يطلب منك العميل تسليم الوثيقة باسمٍ معيّنٍ. حينها ينبغي عليك الالتزام بذلك الطلب. وفي غياب تعليمات بهذا الشأن، يمكن الاحتفاظ باسم الوثيقة/الملف الأصلي وإضافة لغة الترجمة لتمييزها عن الوثيقة الأصلية.
وفي الختام، يساعد إدراك أنواع الأخطاء في الترجمة على الانتباه إليها خلال عملية الترجمة وتفادي الوقوع فيها. وقد تساعد معرفة أخطاء الترجمة المحتملة أيضا على الاستعداد جيدا لاختبار الترجمة وأخذها بعين الاعتبار خلال الامتحان.