الترجمة السمعية البصرية

الترجمة السمعية البصرية: أنواعها وصعوباتها وبرامجها التدريبية


الترجمة السمعية البصرية (Audiovisual Translation) هي أحد أنواع الترجمة التي تُنقل فيها العناصر الصوتية الواردة في الأعمال السمعية البصرية من لغة منطوقة إلى لغة مكتوبة. وهي تقنية تستخدم بشكل شائع في صناعة الأفلام والبرامج التلفزيونية والمؤتمرات والرسوم المتحركة وغيرها لترجمة الحوارات أو النصوص المسموعة إلى لغة مكتوبة على الشاشة، كما تشمل أيضًا الترجمة إلى لهجة محكية.

وتساعد الترجمة السمعية البصرية المشاهدين على فهم قصة الفيلم أو موضوع البرنامج دون أي قيود لغوية. وفي هذه المقالة، سنلقي نظرة على الترجمة السمعية البصرية وأبرز أنواعها والصعوبات التي تواجه المترجم فيها والمؤهلات التي يتطلبها هذا التخصص. إضافة إلى ذلك، تسلط الضوء على طبيعة التدريب الذي يخضع له المترجمون للإسهام في صناعات الترفيه والإنتاج.

1) مفهوم الترجمة السمعية البصرية

تعد الترجمة السمعية البصرية من أهم أنواع الترجمة في عصرنا، وتحيل على ترجمة المكونات اللفظية في الأعمال والمنتجات السمعية والبصرية مثل الأفلام السينمائية والأشرطة الوثائقية والبرامج التلفزيونية وغيرها من الوسائط السمعية والمرئية. وتنقل الترجمة السمعية البصرية المحتوى اللغوي من لغة إلى أخرى سواء كتابةً (السترجة) أو لفظًا (الدبلجة) لتحقيق التواصل الفعال مع المتلقي. وتُستخدم أيضا أساليب الترجمة ذاتها المعتمدة في الترجمة التحريرية مثل التكييف والتعديل1.

ولكن تختلف المعايير المطلوب الالتزام بها في هذا النوع من الترجمات مثل ضرورة الالتزام بالحد الأقصى للكلمات في الترجمة. ومن خلال تزامن النص المترجم مع المحتوى الصوتي والمرئي، يتمكن المشاهدون والمستمعون من الاستمتاع بالمحتوى بدون حدوث أي تشويش لغوي، مما يساعد على إيصال العديد من الأفكار والرسائل الثقافية والسياسية والاجتماعية عبر الثقافات واللغات.

2) أبرز أنواع الترجمة السمعية البصرية

تنوعت أشكال الترجمة السمعية البصرية بمرور الوقت، ولعل أبرز أنواعها المطلوبة حاليا في سوق العمل هي السترجة والدبلجة والتعليق الصوتي وتوطين الألعاب مع أن هناك تقنيات شائعة أخرى مثل الترجمة الفورية في الفعاليات المباشرة2. ويرتبط كل شكل من أشكال الترجمة السمعية البصرية المذكورة بمجموعة من المعايير التي ينبغي الالتزام بها.

أ) السترجة

السترجة أو ترجمة الشاشة أو الترجمة المرئية هي عملية نقل اللغة المستخدَمة في شريط الفيديو إلى لغة مكتوبة في الغالب أسفل الشاشة. ويُستعان بالسترجة سواء للترجمة من لغة إلى أخرى أو لتحويل الخطاب المسموع إلى نص مكتوب داخل اللغة نفسها (التفريغ الصوتي). وتستخدم في الأفلام والبرامج التلفزيونية وغيرها من المنتجات السمعية البصرية. وتعتمد على إظهار نص مترجم قرب الإطار الذي يظهر سياق المشهد، وذلك لتسهيل قراءته على المشاهد.

ويستخدم المترجم برامج السترجة مثل سابتايتل إديت لإدراج الترجمة في الفيديو وضبطها على النحو المناسب. وتشمل المعايير المطلوبة من المترجم، على سبيل المثال لا الحصر، عدم تجاوز عدد معين من الكلمات في سطرين على الأكثر والتي تظهر وتختفي بالتزامن مع الكلام.

اقرأ أيضا: 4 مواقع للتدريب على السترجة

ب) الدبلجة

أما الدبلجة فهي استبدال الصوت الأصلي للمتحدثين بصوت آخر ينقل ترجمة الحوار أو الكلام. ويتطلب هذا النوع من الترجمة المنطوقة أن تطابق حركةَ الشفاه ومدةَ الكلام. وينبغي أن يحرص المترجم على أن يظهر الحوار طبيعيا ومنطقيا بتكييف السياق الثقافي والألفاظ المستخدمة حسب الجمهور المستهدف. وغالبا ما تُستخدم في الأفلام والمسلسلات والأعمال التلفزيونية. وتعد الترجمة جزءا من عملية الدبلجة التي ينخرط فيها أيضا الممثلون ومهندسو الصوت.

ج) التعليق الصوتي

التعليق الصوتي هو عملية إضافة صوت لمنتجات الوسائط المتعددة. وغالبا ما يُستخدم التعليق الصوتي في البرامج الوثائقية بحيث يمكن للمشاهد سماع الأصوات الأصلية بشكل خافت لتطغى عليها الترجمة في التعليق الصوتي. ولا يتطلب المعايير المفروضة في الدبلجة مثل مراعاة حركة الشفاه.

د) توطين الألعاب

توطين الألعاب هو عملية تغيير النسخة الأصلية من اللعبة بحيث يجري تعديلها أو ترجمتها إلى لغة أخرى أو تكييفها لتلائم ثقافة أو سوقا معينة. ويهدف التوطين إلى جعل اللعبة أكثر قابلية للتعلم والاستخدام من جانب المستخدمين الذين ينتمون إلى ثقافات ولغات مختلفة. ويشهد هذا النوع من الترجمات طلبا متزايدا تزامنا مع الازدهار الذي يعرفه حاليا قطاع ألعاب الفيديو. ويحتاج المترجم إلى تكييف اللعبة ثقافيا لتتناسب مع المنظور الثقافي للمستخدم العربي.

وقد يحتاج المترجم أيضا إلى تشكيل النص لضمان أن ينطق الممثلون الصوتيون النص نطقا صحيحا، نظرا إلى أن اللغة العربية بها العديد من الكلمات التي لها نفس التهجئة ولكن معانيها وطرق نطقها مختلفة. لهذا السبب، توفر إضافة علامات التشكيل الكثير من الوقت وتضمن تعليقًا صوتيًا عالي الجودة.

والهدف الرئيسي لهذه الأنواع الأربعة هو تمكين الجمهور المتلقي من فهم المادة المترجمة بأساليب وتقنيات مختلفة. وتستقطب هذه الأنواع من الترجمة جمهورا أكبر وتلقى انتشارا أوسع.

3) معوقات ترجمة المواد السمعية البصرية

أ) صعوبة تفسير بعض العبارات الخاصة باللهجات

مازالت الترجمة السمعية البصرية تواجه بعض المعوقات التي تؤثر على جودة الترجمة. وتشمل هذه المعوقات مواجهة صعوبة في تفسير بعض المفردات والعبارات اللغوية الخاصة باللهجات. وهو ما يتطلب معرفة معمقة باللهجات المنقول منها. ولذلك، يُعتمد في الترجمة من لهجة معينة إلى لغة ما كالفصحى أو الإنجليزية على متحدثيها الأصليين من المترجمين. فهم أدرى بمعاني الكلمات التي قد تحمل بعدا ثقافيا مرتبطا بذلك البلد وتاريخه.

ب) التوافق الثقافي واللغوي

تعد مشكلات التوافق الثقافي واللغوي من المعوقات الشائعة التي تواجه مترجمي المواد السمعية البصرية. فعادات وتقاليد اللغة والثقافة قد تختلف من دولة إلى أخرى، وهذا يؤدي إلى صعوبة ترجمتها ولاسيما عند ورود كلمات غير قابلة للترجمة. ويتعين على المترجمين ترجمة الكلمات التي لا يمكن نقلها حرفيًا، وإيجاد الألفاظ والصياغة الملائمة التي تناسب الثقافة في البلد المستهدف. ومن أجل التغلب على هذه المشكلات، يتعين على المترجمين تطوير مهاراتهم ومعرفتهم الثقافية واللغوية.

ج- نقل نبرة الكلام

تشكل الصعوبة الكامنة في نقل نبرة الكلام أحد تحديات السترجة. فعلى سبيل المثال، لا تُظهر السترجة ارتفاع الصوت أو النبرة الساخرة للمتكلم. ولا يمكن أن تعكس طريقة الحديث واللكنة التي تبين أحيانا المكانة الاجتماعية للمتحدث. وتعد هذه المعرفة عاملا حاسما في فهم العمل3.

د) استيعاب التدفق الكبير للكلام

ينبغي أن يكون المترجم قادرا على نقل الرسالة المتضمنة في الحوار دون نقل الحوار بأكمله. وهذا ضروري لتلائم الترجمة المساحة المحدودة المخصصة لها. وهو ما قد يكون بمثابة ترجمة تلخيصية، لأن المترجم يعيد صياغة المعنى بكلمات أقل. ويتمثل التحدي هنا في ضرورة حذف عناصر في الكلام دون الإخلال بالمعنى. وهو أمر ضروري بسبب قصر الوقت المتاح للترجمة سواء في السترجة أو الدبلجة أو التعليق الصوتي. وتسلط هذه المسألة الضوء على ضرورة استخدام البرامج والتقنيات المناسبة لكل نوع من أنواع الترجمة السمعية البصرية.

4) برامج تدريب المترجمين في المجال السمعي البصري

تعد برامج تدريب مترجمي الترجمة السمعية البصرية أحد الأساليب المتوفرة لتطوير مهارات المترجمين في هذا المجال المهم. وتدرس هذه البرامج كيفية ترجمة النصوص السمعية البصرية مثل الأفلام والمسلسلات الدرامية والإعلانات وغيرها. وتشمل التدريبَ على استخدام الأدوات والبرمجيات التي تساعد في تحرير الترجمة وتعديلها لجعلها تناسب المشاهد في الإنتاج السينمائي. 

وتدرَّس الترجمة السمعية البصرية في بعض الجامعات في سلك الماجستير5 ومعاهد الترجمة من خلال مواد نظرية وتطبيقية. وتوفّر أيضا بعض المنصات التعليمية الإلكترونية دروسا في الترجمة السمعية البصرية. وتهدف هذه البرامج التعليمية في المجمل إلى تدريب المتخصصين لإتقان المهارات التقنية والعملية والتحليلية في ترجمة المواد السمعية البصرية. وتُخضع بعض الشركات6 أيضا أفرقتها العاملة في الترجمة السمعية البصرية للتدريب الضروري لإنجاز تلك الترجمات. ويمكن أن تساعد برامج التدريب في تحسين المهارات اللازمة لإنتاج ترجمة جيدة.

5) مؤهلات المترجم في المجال السمعي البصري

ينبغي أن تتوفر في أي مترجم مجموعة من المؤهلات الأساسية والمهارات الضرورية مثل إتقان اللغة ومهارة البحث وسرعة الكتابة. ونظرا إلى طبيعة المادة المترجمة في المجال السمعي البصري، يحتاج المترجم إلى إتقان تفاصيل أخرى مثل الإحاطة باللهجات والأدوات الخاصة بكل نوع من أنواع الترجمة السمعية البصرية والمعايير المتصلة بها.

أ) إجادة اللغة والثقافة المصدر والهدف

يجب على المترجم في الترجمة السمعية البصرية أن يتمتع بمهارات لغوية عالية وفهم عميق للغة المصدر واللغة الهدف. ولا بد أن يكون قادرا على فهم اللهجات واللغة العامية والعبارات الخاصة بمناطق جغرافية معينة. ولذلك، لا بد أن يتمتع المترجم بمهارة عالية في الاستماع. ولفهم النكات أو الإسقاطات الثقافية، ينبغي أن يكون المترجم على دراية بتاريخ البلد المنتج للعمل وثقافته. وينطبق الأمر نفسه على الجمهور المستهدف الذي يجب معرفة ثقافته للتمكن من نقل المعنى بأسلوب يفهمه ويلائمه.

ب) القدرة على نقل المعنى بدقة وسلاسة

تتميز الترجمة السمعية البصرية بتزامن ظهورها مع الصوت والصورة. لذلك، يجب أن يكون المترجم دقيقًا في نقل المعنى في حدود الحيز الزمني المتاح. وفي الوقت نفسه، يجب أن يكون محتوى الترجمة السمعية البصرية واضحًا ومفهومًا لتحقيق أعلى مستويات التفاعل مع المحتوى المترجم. ولذلك، يجب على المترجم أن يكون على دراية بالثقافات المختلفة ومعرفة الفروق اللغوية والثقافية بين الألفاظ والتعابير المستخدمة في اللغة المصدر واللغة الهدف.

ج) إجادة أدوات الترجمة السمعية البصرية

لا بد أن يجيد المترجم في المجال السمعي البصري استخدام الأدوات التي يحتاجها في عمله ويلتزم بالمعايير الضرورية في كل نوع منها. فعلى سبيل المثال، ينبغي تقديم ترجمة لا تتجاوز سطرين في السترجة، بينما يحتاج المترجم إلى مراعاة حركات شفاه الممثلين في الترجمة الموجهة للدبلجة4.

د) البراعة في الانتقال بين المستويات اللغوية

قد تكلفك شركة بالعمل على ترجمة برنامج وثائقي أو فيلم سينمائي أو غيرهما. ولا بد من مراعاة مستوى اللغة الضروري في كل نوع منها. فمنها ما يحتاج إلى لغة مبسطة وأخرى إلى لغة متخصصة أو علمية. ويتطرق المترجم فيها إلى مواضيع مختلفة تماما. فعلى سبيل المثال، يتعامل المترجم في الأفلام والمسلسلات مع الأمثال الشعبية والدعابات وألفاظ نابية وسوقية. ولكنه يترجم في البرامج الوثائقية مصطلحات علمية ومعلومات تقنية تحتاج إلى الدقة في اختيار المصطلحات العلمية. ويُنصح هنا باختيار المترجم حسب تخصصه في المواد العلمية لتجنب الأخطاء المصطلحية.

خاتمة

يعد مجال الترجمة السمعية البصرية أحد المجالات المطلوبة اليوم في العديد من القطاعات. ولا يقتصر هذا النوع من الترجمة على المجال السينمائي، بل يشمل أيضا قطاعات أخرى تستخدم الوسائط المتعددة مثل السياحة والتعليم. وأضحى هذا النوع من الترجمات الأكثر انتشارا بفعل العولمة والتطور السريع للتقنيات الرقمية.

المصادر

Audiovisual Translation

صديق، رمضاني حمدان. (2017). الترجمة السمعية البصرية: محطات وانعطافات، مجلة النص.

جيلالي، ناصر. (2022). الترجمة السمعية البصرية وإشكالات السترجة. المترجم.


اترك تعليقاً