يقضي المترجِم المستقِلّ معظم وقته معزولاً عن العالم بسبب طبيعة عمله التي تَتطلّب منه البقاء أمام شاشة الحاسوب. وهو ما يسبِّب قِلّة التواصل مع الآخرين، ويمكِن أن يؤدّي في النهاية إلى الإصابة بمرض الاكتئاب. فما هو الاكتئاب؟ وما أعراضه؟ وكيف تتجنب الإصابة به؟
أولا- ما هو الاكتئاب؟
الاكتئاب أو الاضطراب الاكتئابي هو مرض طبّي شائع وخطير يؤثِّر سلباً على المشاعر، وطريقة التفكير، وكيفية التصرُّف. ويسبِّب الحزن العميق وفقدان الاهتمام بالأنشطة التي كان الشخص المصاب يَستمتع بها سابقاً. بالإضافة إلى ذلك، يمكِن أن يؤدّي إلى مجموعة متنوِّعة من المشاكل العاطفية والجسدية التي تضعِف القدرة على العمل وأداء المهام اليومية.
ثانيا- ما هي أعراض الاكتئاب؟
تَستمر أعراض الاكتئاب لمدة أسبوعين على الأقل، كما تَختلف شِدّتها من شخص لآخر، ويمكِن أن تَشمل:
– زيادة التعب.
– فقدان الطاقة.
– الشعور بالذنب.
– قِلّة النشاط البدني.
– تباطؤ الحركات أو الكلام.
– صعوبة التفكير أو التركيز.
– التفكير في الموت أو الانتحار.
– الشعور بالحزن الشديد أو الكآبة .
– تراجُع القدرة على اتّخاذ القرارات.
– صعوبة النوم أو النوم لفترات طويلة.
– تبدُّل الشهيّة وما يَترافق معه من انخفاض الوزن أو زيادته.
– فقدان الاهتمام بالأنشطة التي كان الشخص المصاب يَستمتع بها سابقاً.
ثالثا- عوامل خطر الاكتئاب
يمكِن أن يؤثِّر مرض الاكتئاب على أي شخص بسبب وجود عِدّة عوامل تُسهم في حدوث الإصابة، كالآتي:
– التبدُّلات الكيميائية: قد تساهِم الاختلافات في إفراز بعض المواد الكيميائية داخل الدماغ في ظهور أعراض الاكتئاب.
– العوامل المحيطة: قد يؤدّي التعرُّض المستمِر للعنف والإهمال، أو المعاناة من الفقر وسوء المعامَلة، إلى جعل بعض الناس أكثر عُرضة للحزن والكآبة.
– الشخصية: يبدو أنّ الأشخاص الذين يعانون من تدنّي احترام الذات وقِلّة الثقة بالنفس، أو المصابين بالتوتُّر والمتشائمين بشكل عام يكونون أكثر عُرضة للكآبة.
– العامل الوراثي: يمكِن أن يَنتشر الاضطراب الاكتئابي في العائلات. فعلى سبيل المثال، إذا كان أحد التوأمين الحقيقيَين لعائلة ما مصاباً بالاكتئاب، فإن الآخر لديه فرصة 70% للإصابة بالمرض.
رابعا- ما علاقة الاكتئاب بالوحدة؟
مرض الاكتئاب هو حالة صحّية عقلية معقَّدة تَنشأ غالباً من عِدّة عوامل. ومع ذلك، يمكِن أن تُؤدي مشاعر العزلة الاجتماعية أو عدم الرضا عن علاقاتك دوراً كبيراً. فعلى الرغم من أنّ بعض الأشخاص الذين يعيشون بمفردهم لا يَشعرون بالوحدة على الإطلاق، إلا أن قِلّة التواصل مع الآخرين قد تؤدّي في النهاية إلى تطوُّر مجموعة من الاضطرابات العقلية.
وفي هذا الصدد، قد يكون من الكافي للأشخاص الذين يفضلون العزلة إلقاء التحية، بينما يحتاج آخرون إلى التكلم مع الآخرين لمدة طويلة. فعلى سبيل المثال، عندما يريد حراس أي سجن معاقبة سجين ما، فإنهم يضعونه في الزنزانة المنفردة، أي أنهم يعزلونه عن التواصل مع بقية السجناء. ومع أن البعض يفقدون اتزانهم نتيجة هذه التجربة، إلا أن البعض الآخر يبقون بحالة عقلية جيدة نتيجة عدم حاجتهم سوى للحد الأدنى من التفاعل الاجتماعي.
ويشير أحد الأبحاث الذي أُجري عام 2018 إلى أن تَدَنّي تقدير الذات هو رابط محتمَل بين الشعور بالوحدة والاكتئاب. ويَبدأ الأمر عند رفض دعوة الأصدقاء للخروج معاً بسبب ساعات العمل الطويلة وقِلّة وقت الفراغ، ممّا يقلِّل التواصل معهم بشكل عام.
بعد فترة، تَبدأ الأفكار السلبية بالظهور. فبدلاً من تبرير هذا التباعُد على أنّه انشغال من الطرفين، يوجِّه المستقِلّ اللوم إلى نفسه بأنّه شخص سيء لا يَستحق الحب أو الاحترام. وربما يَتصرف بطريقة تعزِّز هذا الاعتقاد، كأن يَرفض الدعوات بحجة أنّ لا أحد يريد رؤيته، ممّا يَجعله يَدخل في حلقة مفرَغة تزيد الشعور بالوحدة. وفي النهاية، قد يَنظر إلى نفسه على أنّه إنسان ميؤوس من أمرِه.
خامسا- الوقاية من الاكتئاب
تَستطيع تجنُّب الاكتئاب المزمن عبر اتّباع الخطوات التالية:
1- مارِس الرياضة بانتظام لتجنُّب أعراض الاكتئاب
تعتبَر ممارَسة الرياضة بانتظام أحد أفضل الأشياء التي يمكِنك القيام بها من أجل صحتك العقلية، حيث تؤدّي إلى إطلاق الإندورفين في الدماغ، ممّا يحسِّن الحالة المزاجية. وتقلِّل المواد الكيميائية التي تفاقِم الاكتئاب. ولهذا السبب، يجدر بك التفكير جديا في الالتزام بممارسة الرياضة لأنّك بذلك ستحافِظ على نشاطك، أو الانضمام إلى نادٍ رياضي لتشكِّل جزءا من هذا المجتمع الحيوي.
2- قلِّل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي
أَظهرَت الأبحاث أنّ زيادة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يمكِن أن تسبِّب الاكتئاب المزمن وتَدَنّي احترام الذات. فعلى الرغم من ضرورة البقاء على اتصال مع العائلة والأصدقاء وحتى زملاء العمل، إلا أن هذه الأدوات تزيد الشعور بالوحدة والعزلة نتيجة قِلّة التواصل الحِسّي مع الآخرين. لذلك، يفضَّل تقييد وقت استعمال وسائل التواصل الاجتماعي عن طريق تثبيت تطبيقات تَمنع الوصول إليها إلاّ في مواعيد معيَّنة، ولفترات زمنية محدَّدة مسبقاً.
3- قلِّل التوتُّر لتجنُّب أعراض الاكتئاب
يعَدّ الإجهاد المزمِن أحد أكثر أسباب الاكتئاب التي يمكِن تجنُّبها شيوعًا. لذلك، من المهم تعلُّم كيفية إدارة التوتُّر والتعامل معه لضمان الصحة العقلية المثلى.
4- احصل على قسط كافٍ من الراحة
الحصول على قسط وافِر من النوم عالي الجودة ضروري للصحة النفسية والجسدية، لأن خطر حدوث الاكتئاب يَزداد بمقدار عشرة أضعاف عند الأشخاص المصابين بالأَرَق مقارَنة بمن يَنامون جيداً. لذلك حاوِل تحسين عاداتك عبر تجنُّب النظر إلى أيّة شاشات لمُدّة ساعتين قبل النوم. كذلك ابتعِد عن تناوُل المشروبات المنبِّهة مساءً، واحرص على أن يَكون فراشك مريحاً.
5- ابتعِد عن الأشخاص السلبيين للوقاية من أعراض الاكتئاب
جميعنا التقينا بذلك الشخص الذي جَعلنا نَشعر بالسوء تجاه أنفسنا. وقد يَكون أمثاله متنمِّرِين صريحِين، أو ربما يَستغلون ضعفنا حتّى يظهِروا قوّتهم. لذلك، تجنّب هذا النوع من الأفراد بأي ثمن وبغَضّ النظر عن الموقِف. وفي هذا الصدد، وَجدت دراسة أجرِيَت عام 2012 أنّ التفاعُلات الاجتماعية السلبية كانت مرتبِطة بمستويات أعلى من السيتوكينات، وهي بروتينات تَرتبط بالالتهاب وكذلك بالاكتئاب.
كلمة أخيرة
تختلف أسباب الإصابة بمرض الاكتئاب انطلاقا من العوامل الشخصية مثل قلة الثقة بالنفس، مرورا بالعامل الوراثي، وصولا إلى الشعور بالوحدة. وبما أنه مرض خطير يؤثر على حياة الإنسان، لا ينبغي الاستهانة به والتهاون في التعامل معه. فالوعي بأعراضه ومسبباته ومعرفة طرق الوقاية منه مفيدٌ لتتمكّن من الحفاظ على صحتك النفسية والعناية بها.
المصادر
American Psychiatric Association