تنتشر الكتابات التي تتحدث عن أخطاء الترجمة الحرفية المضحكة الناتجة عن الترجمة الآلية. ويُقصد بها ترجمة كلمة بكلمة بحيث يضيع معنى الجملة أو العبارة. ولا بد من التذكير بأن الترجمة الحرفية هي إحدى تقنيات الترجمة السبع المهمة في الترجمة بحيث تصاحبها تغييرات طفيفة أو معدومة من حيث القواعد والنحو. ولكن حينما ينحرف المعنى عند اتباع تقنية الترجمة الحرفية، ينبغي حينها أن يستعين المترجم بتقنيات الترجمة الأخرى. وهو ما لا يُطبَّق في الترجمات الخاطئة الناتجة عن الترجمة الحرفية أو ترجمة كلمةٍ بكلمةٍ.
وتُتهم الترجمة بكونها في مقدمة الأسباب التي تعمل على إشاعة الأخطاء إذا قام بها من يترجم ترجمة حرفية1. ولذلك، من المهم التعرف على أسباب تلك الأخطاء لمحاولة تفادي الوقوع فيها. ولكن، لا بد بدايةً من توضيح الفرق بين الترجمة الحرفية وترجمة كلمة بكلمة قبل التطرق إلى أسباب أخطاء الترجمة الحرفية التي يقع فيها المترجم مرفقةً بالأمثلة وبعض الحلول المقترحة لها.
أولا- ما الفرق بين الترجمة الحرفية وترجمة كلمة بكلمة؟
لا بد من التمييز أولًا بين الترجمة الحرفية (literal translation) وترجمة كلمةٍ بكلمة (word-for-word translation). فحسب نيومارك، تَنقل ترجمةُ كلمة بكلمة القواعدَ النحوية للغة المنقول منها وترتيبَ الكلمات فيها والمعنى الأولي لتلك الكلمات بأكملها إلى النص المترجم. وهو ما قد يكون ملائما في بعض الجمل القصيرة والبسيطة. وأما الترجمة الحرفية، فتراعي كلًّا من الشكل والمضمون ولا تتّبع بنية اللغة الأصلية، على خلاف ترجمة كلمةٍ بكلمة التي تتبع بنية اللغة الأصلية على حساب المعنى. ومع ذلك، لا يمكن ترجمة نص بأكمله ترجمة حرفية، ولكنها إحدى التقنيات وأوّلها المستخدمة في عملية الترجمة.
فعلى سبيل المثال، تُدخل الترجمة الحرفية تعديلات طفيفة كترتيب الكلمات عند ترجمة جملة (The student goes to the university) التي تصبح (يذهب الطالب إلى الجامعة) بتغيير ترتيب الفعل والفاعل. وقد تنعدم التغييرات في الترجمة الحرفية مثل ترجمة (In the corner) بمقابلها (في الزاوية) بحيث احتُفظ بالكلمات وترتيبها ونُقل معناها الأول. ولكن لا تصح دائما ترجمة كلمة بكلمة ونقل ترتيب الكلمات مثل ترجمة Ladies Slipper بمقابل (السيدات النعال) وMen Slipper بمقابل (الرجال شبشب) التي أثارت موجة من السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي2. فهذه ترجمة كلمة بكلمة احتفظت بالترتيب ذاته الذي أعطى معنى مختلفا تماما بل ومهينا.
ثانيا- أسباب أخطاء الترجمة الحرفية
يمكننا استخلاص الأسباب الكامنة وراء أخطاء الترجمة الحرفية من مراجعة عدد من الترجمات وتحليلها. ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر الأسباب التالية:
1) التأثر بالنص الأصلي وعدم مراجعة الترجمة النهائية
قد لا يلاحظ المترجم مجموعة من الأخطاء التي يقع فيها عن غير قصد بسبب انغماسه في الترجمة. ولذلك، من الضروري في منهجية الترجمة مراجعة النص المترجَم كوحدة مستقلة بعيدا عن النص الأصلي. وهو ما يسمح للمترجم بتعديل كل ترجمة متأثرة بأسلوب اللغة المنقول منها. فعلى سبيل المثال، تختلف طريقة كتابة المبالغ المالية في اللغتين الإنجليزية والعربية وموضع إدراج الفاصلة.
مثال: 3,500$ > 3,500 3500 دولار أمريكي
وقد يتأثر أيضا المترجم بالنص الأصلي محاولًا ترجمة كل كلمة بكلمة أخرى مقابلة لها في اللغة المنقول إليها. وهو ما ينطبق مثلا على عبارة “الخاص بك” التي قد تُستخدم دون الحاجة إليها، لأن اللغة العربية تتوفر على الضمائر المتصلة التي ينبغي استخدامها في هذه الحالة بدل الاستعانة بعبارة “الخاص بك”.
مثال: your text > النص الخاص بك نصك
وقد يكتنف الترجمةَ غموضٌ في المعنى بسبب الترجمة الحرفية المتأثرة بالنص الأصلي. ففي حالة الغموض، قد يحتاج المترجم إلى إضافة كلمة غير واردة في النص الأصلي لتوضيح المعنى الذي يكون جليا في النص الأصلي. فعلى سبيل المثال، تُرجمت عبارة ( language-independent formatting, language-dependent formatting) بعبارة (تنسيق اللغة المستقل وغير المستقل) في سياق الحديث عن تنسيق النص المرتبط بالأخطاء اللغوية وغير المرتبط بها مثل المسافة بين الكلمات. وإذا اعتبرنا أن هذه الصياغة العربية لا تنقل المعنى بوضوح للقارئ المستهدف الذي لا يملك النص الأصلي بين يديه، سيحتاج المترجم إلى إيصال المعنى بشكل واضح. وهو ما قد تؤديه الترجمة التالية: (التنسيق المستقل عن اللغة والمرتبط بها). وهو الاقتراح الذي قد يقرّب القارئ من المعنى المراد نقله.
الحل المقترح: لاكتشاف ما إذا كانت ترجمتك متأثرة بالنص الأصلي إلى درجة غياب الوضوح، لا بد من قراءة الترجمة بشكل مستقل وبعيدا عن النص الأصلي. ويُفضَّل ألا يكون ذلك مباشرةً بعد إتمام الترجمة إن كان وقت التسليم يسمح بذلك. وهو ما يساعد على التأكد من سلاسة اللغة ووضوح المعنى في مرحلة التدقيق اللغوي.
اقرأ أيضا: الفرق بين المراجعة والتدقيق اللغوي
2) عدم التمييز بين قواعد اللغتين المنقول منها وإليها
يُسقط أحيانا المترجم أسلوب اللغة الإنجليزية على الترجمة العربية. وقد يُقحمه إقحامًا في الكتابة العربية دون وجود حاجةٍ إليه. فاللغة العربية لها قواعدها وتزخر ببدائل وحلول لغوية يمكن اللجوء إليها عند الترجمة. فعلى سبيل المثال، من أخطاء الترجمة الحرفية أن يسبق الفاعل الفعل في الترجمة أسوة بالنص الأصلي على غرار ترجمة Fady says بمقابل (فادي يقول) بدل (يقول فادي) في النص بأكمله.
وتُنقل في أحيان أخرى الأسماء المعطوفة في الجملة بربطها بالفاصلة بدل حرف العطف (الواو). ومثال ذلك ترجمة (Sudan, Egypt, Qatar, and Iraq) بمقابل (السودان، مصر، قطر، والعراق) بدل (السودان ومصر وقطر والعراق). ويُخلط أيضا بين قواعد اللغتين العربية والإنجليزية عند استخدام مثلا المبني للمجهول في الحالات التي يكون فيها الفاعل معلوما. ويقع المترجم أيضا في خطأ الخلط بين قواعد اللغتين عند إضافة مضافين إلى المضاف إليه تأثرا باللغة الأصلية للنص.
مثال:
Ahmed was appointed by the manager > عُين أحمد من قبل المدير عين المديرُ أحمدَ (الفاعل معلوم: المدير)
مثال:
the speed and quality of work > سرعة وجودة العمل سرعة العمل وجودته (قاعدة المضاف والمضاف إليه)
الحل المقترح: لتجاوز أخطاء الترجمة الحرفية تلك، لا بد من دراسة قواعد النحو للغتين المنقول منها وإليها. ويُفترض أن يكون الطالب ملمًّا بقواعد اللغتين. لذلك، لا تشمل دراسات الترجمة عمومًا دراسة قواعد النحو. وتُدرس تلك القواعد عادةً في مراحل دراسية سابقة. ويحتاج المترجم أحيانا إلى مراجعتها لتذكّرها ومن ثم تطبيقها في ترجماته.
اقرأ أيضا: أخطاء نحوية متكررة في الترجمة وتصحيحها مع الأمثلة
3) ضعف الرصيد اللغوي من أسباب أخطاء الترجمة الحرفية
تندرج في أخطاء الترجمة الحرفية ترجمةُ عبارة ما كلمةً بكلمة على الرغم من وجود كلمةٍ واحدة تحمل المعنى ذاته. فعدم إلمام المترجم بذلك المقابل أو عدم استحضاره خلال الترجمة قد يدفعه إلى الترجمة الحرفية.
مثال: linked together > مرتبطة بعضها ببعض مترابطة؛
patients with a heart condition > المرضى المصابون بأمراض القلب مرضى القلب؛
many times more powerful > أقوى بعدة مرات أقوى بكثير (لأن “عدة مرات” تعني مرارا).
الحل المقترح: يُنصح المترجم بالقراءة المستمرة لتحسين مهاراته اللغوية. فالمطالعة تساعده على معرفة طرق التعبير عن الأفكار بالعبارات والكلمات المناسبة وتسمح بإغناء رصيده اللغوي وتوسيع مداركه.
اقرأ أيضا: 10 ممارسات مساعدة على تطوير مهارات الترجمة
4) عدم مراعاة مجال النص وعدم الإحاطة بمصطلحاته
تشمل الترجمة الحرفية الخاطئة اعتماد مصطح ينتمي إلى مجال مختلف تماما عن مجال النص. فقد تفضي ترجمة كلمةٍ بأول كلمةٍ مقابلةٍ تظهر في المعجم دون مراعاة مجال النص والسياق إلى ترجمة حرفية خاطئة. وقد يرجع السبب إلى عدم الإلمام بمجال النص أو عدم الاطلاع على نصوص مماثلة قبل الترجمة لأخذ فكرة عن المصطلحات المستخدمة فيها. وهذا ينطبق أيضا على جمل الإعلانات التي تتطلب أسلوبا جذابا يراعي ثقافة المستهلك المستهدَف ويجذب انتباهه. فهنا ينبغي التخلي عن الحرفية وإعادة الصياغة.
مثال: power > الطاقة زر التشغيل (في دليل استخدام الغسالة)
الحل المقترح: لا بد من تحديد نوع النص أولًا والاطلاع على نصوص مماثلة في مجال النص المطلوب ترجمته عند الضرورة قبل بدء الترجمة لأخذ فكرة عن مصطلحات المجال والأسلوب المعتمد.
5) عدم فهم المعنى من أسباب أخطاء الترجمة الحرفية
عندما لا يفهم المترجم الفكرة الأصلية، قد يلجأ إلى الترجمة الحرفية كأسلم حل. لكن هذا الحل يؤدي أحيانا إلى ترجمة خاطئة ذات معنى غير صحيح. وقد يجد المترجم هذا الإجراء أسهل حل بدل إنجاز بحث معمق في محاولةٍ لفهم المعنى بدقةٍ. ولعل ضيق الوقت أحد أسباب لجوئه إلى الترجمة الحرفية بدل محاولة فهم الفكرة الأصلية أو استيعاب المفهوم الأصلي من خلال البحث.
مثال: oxi-type boosters > معززات من نوع أوكسي معززات غسيل الأكسجين
شرح المثال: oxi هو اختصار أكسجين في اللفظ الأصلي. لكن لفظ أوكسي ليس اختصارا معتمدا في اللغة العربية لكلمة أكسجين. ولإيجاد المقابل المناسب، ينبغي البحث عن معنى العبارة في المراجع الإنجليزية أولا لفهمها قبل البحث عن مقابلها.
الحل المقترح: عند عدم فهم معنى لفظ/عبارة ما أو عند الشك في دقة معلومةٍ تؤثر في اختيار المقابل، يجب إجراء بحثٍ أولًا لفهم المعنى باللغة المصدر قبل البحث عن المقابل في اللغة الهدف.
خاتمة
وفي الختام، قد يقع المترجم في أخطاء الترجمة الحرفية لأسباب عدة منها عدم مراعاته اختلاف قواعد اللغتين أو مجال النص المتخصص أو عدم مراجعته الترجمة النهائية أو عدم فهمه المعنى. ولهذا من المهم أن يكون المترجم مستعدًّا للتعلم والصبر على ذلك ويتوخى الدقة من خلال البحث ويتحلى بثقافة واسعة.
اقرأ أيضا: لمحة عن وظيفة المترجم: مؤهلاته ومهاراته ومهامه