استعانت البلدان المتعددة الثقافات واللغات خلال جائحة كوفيد-19 بالترجمة للوصول إلى مختلف فئات المجتمع غير الناطقة بلغاتها الرسمية. وشكّلت الترجمة وسيلة مهمة لإيصال معلومات حيوية عن كيفية التعامل مع الجائحة لمختلف الجاليات. ولكن تضمّن عدد من المنشورات الموجهة لها أخطاء في الترجمة. ويرجع سبب ذلك سواء إلى السرعة بهدف إمداد الناس بآخر الأخبار والمستجدات المتعلقة بكورونا أو نقص التمويل الذي دفع إلى الاستعانة بالترجمة الآلية، مثل ما حدث في أستراليا وأمريكا.
ولم تقتصر أخطاء الترجمة على المعلومات الصحية المتعلقة بجائحة كوفيد-19، بل شملت أيضا مجالات أخرى مثل السياحة. فقد حاول العاملون في قطاع السياحة الترويج لمنتجاتهم في ظل الركود الذي شهده هذا القطاع. ولكن ورود أخطاء في الترجمة أفضى إلى نتائج سلبية على غرار ما حدث لوزارة السياحة في المكسيك وأحد الفنادق في السعودية.
1) أستراليا… الخلط بين العربية والفارسية
سعت السلطات في أستراليا إلى ترجمة التعليمات الصحية بعدة لغات في سياق جائحة كوفيد-19 نظرا إلى أنها دولة متعددة الثقافات واللغات. ولكن عرقلت أخطاء في الترجمة باللغة العربية والفارسية والصينية وصول المعلومة للقارئ المستهدف. وأوردت إحدى الصحف المحلية أن الترجمات غير المفهومة والمضحكة والخاطئة قد تُفقد ثقة المهاجرين واللاجئين والمجتمع المحلي في كلّ من السلطات والرسائل الصادرة عنها ذات الصلة بالصحة عموما والجائحة خصوصا.
وفي هذا الصدد، أصدرت الحكومة الفدرالية وحكومة ولاية فيكتوريا ترجمات يتضمن بعضها أخطاء. وكانت تهدف إحدى حملات وزارة الصحة إلى تشجيع الناطقين باللغة العربية على ارتداء الكمامات. ولكن صدر منشور توعوي بأحرف عربية غير مفهومة بسبب خلل في التنسيق. وجاء الخطأ في الإجابة على السؤال المهم: هل أحتاج لارتداء كمامة؟ وأوضحت الوزارة فيما بعد أن هذا الخطأ حدث خلال تحميل الوثيقة على الموقع. وهو ما دفعها إلى اعتزام إخضاع هذه المواد لمراجعة المترجمين لتفادي مثل هذه المشكلات مستقبلا. وهو ما يسلط الضوء على أهمية مراجعة المترجم الإنسان.
ونشرت الحكومة الأسترالية تغريدةً يُفترض أنها تخبر الناطقين باللغة الصينية عن مكان الاتصال لمعرفة التفاصيل عن الجائحة. وبدل ذلك، أوردت هذه الجملة “استخدم المعلومات الواردة بلغتك”. وهو ما سيوقف القارئ عند المنشور لأن هذا الأخير لم يعطه مكان الاتصال.
وفي أحد الملصقات المتعلقة باستخدام الكمامة عند مغادرة المنزل، ظهرت المعلومات باللغتين الفارسية والعربية في خلط بين اللغتين بسبب استخدام الأحرف العربية فيهما رغم اختلافهما. وقد صُحح هذا الخطأ أيضا. وأفادت الرئيسة التنفيذية لمجلس الهجرة في أستراليا أن السرعة والعجلة في إمداد مجتمعات المهاجرين بالكثير من المعلومات أدت إلى حدوث بعض الهفوات.
2) ولاية فلوريدا الأمريكية… طلقات الرصاص بدل التلقيح للناطقين باللغة السواحلية
ترجم مركز الموارد الوطني المعني باللاجئين والمهاجرين والنازحين في أمريكا في مطلع عام 2021 ورقة معلومات بشأن لقاح كوفيد-19 إلى اللغة السواحلية. واستهدفت الورقةُ المجتمعَ الناطق بهذه اللغة داخل البلاد. ولكن فريقا متعدد اللغات في جامعة جنوب فلوريدا الأمريكية يعمل مع اللاجئين من حروب الكونغو رصد فيها أخطاء في الترجمة. واللغة السواحلية هي اللغة المشتركة بين هؤلاء اللاجئين. وأشار الفريق إلى أن تلك الأخطاء قد تؤثر سلبا على الفئة المستهدفة.
وحدد الفريق في بيانه الأخطاء المرتكبة مثل اعتماد كلمات نادرة الاستخدام، في حين تقتضي طبيعة الوثيقة والجمهور المستهدف من اللاجئين استعمال لغة بسيطة ومفهومة. وصنف الفريق سوء اختيار بعض المصطلحات بالخطأ الفادح حيث اعتُمدت كلمة طلقات الرصاص بدل الحقنة. وأعزى هذا الخطأ إلى الاعتماد على تعريف غوغل ترانسليت للمصطلح الذي لا يشمل المعنى المقصود في النص. ويشير التقرير إلى أن مراجعة الوثيقة كانت كفيلة برصد تلك الأخطاء قبل النشر وأن تطبيق الترجمة العكسية (أي من السواحلية إلى الإنجليزية) باستخدام غوغل نفسه سيكشف عدم ملاءمة المصطلح لسياق النص. وبالتالي، بدل أن يثقف محتوى الوثيقة اللاجئ بخصوص التلقيح الجديد، سيردعه لأن الطبيب -وفقا للوثيقة- سيطلق الرصاص عليه مرتين لتلقيحه!
اقرأ أيضا: تعريف منهجية الترجمة: تقنيات الترجمة مع الأمثلة
3) غياب التمويل يفتح المجال للترجمة الآلية ويعيق التواصل في ولاية فرجينيا الأمريكية
أصدرت وزارة الصحة في ولاية فرجينيا منشورا عن لقاح كوفيد-19 على موقعها. ولكن أبلغ طلاب إحدى الجامعات الأمريكية عن خطأ في ترجمته الإسبانية. وتذكر النسخة المترجَمة أن اللقاح ليس ضروريا، في ترجمةٍ غير كاملة لما جاء في النسخة الأصلية. ويشير أحد المقالات إلى أن هذه الترجمات الخاطئة تعكس مشكلة أكبر وهي عدم القدرة على الوصول إلى المعلومات المتعلقة باللقاح بسبب حاجز اللغة نظرا إلى إلغاء إدارة الرئيس السابق ترامب أوجه الحماية التي تكفل الوصول إلى اللغات. وهو ما دفع مؤسسة غير ربحية إلى مقاضاة وزارة الصحة لاسترجاع هذه الحماية. فغياب تمويل خدمة الترجمة سيؤدي إلى نهج أرخص السبل وبالتالي الوقوع في الأخطاء التي جرى رصدها.
وفي هذا السياق، تعتمد مواقع وزارة الصحة في عدد من الولايات الأمريكية على ترجمة غوغل لإتاحة معلوماتها للسكان الذين لا يتقنون اللغة الإنجليزية. وهو ما لا يعطي دائما النتائج المرجوة. كما أن الترجمة الآلية المعتمَدة في المواقع لا تترجم الخرائط والرسوم البيانية المُستخدَمة لإرشاد الناس إلى أماكن التلقيح. وهو ما دفع عمدة إحدى الولايات إلى الموافقة على اعتماد مترجمين محترفين لترجمة تلك المعلومات المتاحة على الموقع. وفضلا عن ذلك، لم يتمكن عدد من السكان الناطقين بالإسبانية من التسجيل للحصول على اللقاح بسبب حاجز اللغة وعدم توفير التعليمات في الموقع باللغة الإسبانية.
4) ترجمات حرفية لوجهات سياحية في المكسيك
نشر موقع رسمي يروج للسياحة في المكسيك ترجمات خاطئة لعدد من الوجهات السياحية المعروفة في البلاد في صيف عام 2020. فعلى سبيل المثال، تُرجمت تولوم بالبذلة وأكولكو بأنا ألوم. وتُرجمت أماكن أخرى بمعناها في اللغة الإنجليزية مثل بروغريسو التي تُرجمت بالتقدم وفيلا ديل كاربون التي تُرجمت بقرية الفحم. وتناقلت التغريدات ومواقع أجنبية تلك الأخطاء لتصبح مادة للتندر على وسائل التواصل الاجتماعي. ومع أن الأخطاء قد تبدو صادرة عن الترجمة الآلية، فقد أصدرت وزارة السياحة في المكسيك بيانا تعتذر فيه عن تلك الأخطاء حيث أشارت فيه إلى أنها قد تكون مقصودة “للإضرار بصورة الموقع والوزارة”.
5) ترجمة قائمة الطعام في أحد فنادق السعودية تُطمئن المترجم على مستقبله
نشر أحد مستخدمي تويتر في أيار/مايو 2020 قائمة طعام لأحد الفنادق في السعودية طالبا المساعدة لترجمة القائمة إلى اللغة الإنجليزية ترجمة صحيحة من أجل أحد أصدقائه الذي كان في الفندق. فتُرجم العدس مثلا بالجمعة وعدس مشكل بلا مشكلة. ولكن التغريدة انتشرت كالنار في الهشيم على وسائل التواصل الاجتماعي لتصبح مادة للسخرية وتنقلها مواقع إخبارية حول العالم. ووجهت أصابع الاتهام لترجمة غوغل مما جعل البعض يخلص إلى أن الترجمة الآلية ما زالت بعيدة عن أخذ مكان المترجم الإنسان.
6) الترجمة الآلية لفيسبوك تهين النظام الملكي في تايلاند
أثارت الترجمة الآلية لفيسبوك استياء الجهات الرسمية في تايلاند. فقد تُرجم منشور على صفحة محطة تلفزية عمومية من الإنجليزية إلى التايلاندية بواسطة الترجمة التلقائية على فايسبوك. ووَرَدَ بمناسبة عيد ميلاد الملك التايلاندي. ولكن الترجمة كانت مهينة إلى درجة إثارتها ردود فعل قوية من الوكالات الحكومية ومشاهدي القناة على السواء. وبعد ذلك، اعتذرت شركة فيسبوك للشعب التايلاندي وأعلنت عن إيقاف الترجمة التلقائية على فيسبوك للنظر في جودة الترجمة الآلية.
وتجنبت الصحافة التايلاندية نشر الترجمة المهينة نظرا إلى أن القوانين تعاقب على نشر تصريحات سلبية عن الملك أو النظام الملكي بالسجن لمدة تصل إلى 15 عاما. وأفاد أحد المسؤولين الأمنيين أيضا أن التحقيقات جارية بشأن الأشخاص الذين شاركوا الترجمة الخاطئة على وسائل التواصل الاجتماعي.
7) موقع أمازون في السويد
أُطلق موقع أمازون في السويد في تشرين الأول/أكتوبر 2020 حيث أصبح متاحا باللغة السويدية فقط. ولكن زوار الموقع سرعان ما بدأوا بتداول أخطاء في الترجمة على الموقع عبر تويتر. وهو ما ربطته مقالات غطت الخبر باستخدام الموقع الترجمة الآلية في وصف المنتجات. فعلى سبيل المثال، وُصف أحد الكابلات بالقاتل في ترجمة حرفية من الإنجليزية، مما دفع أحد مستخدمي تويتر للإعراب عن عدم استعداده لشراء كابل قاتل. وهو ما يعكس تأثير الترجمة غير الموفَّقة على عملية الشراء أيضا.
وفي الختام، تُظهر هذه الحوادث أهمية الترجمة في عالمنا اليوم وضرورة العنصر البشري في عملية الترجمة رغم تطور التكنولوجيا. كما تظهر جليا أهمية الاعتماد على مترجم محترف عند وقوع مشكلات ناتجة عن أخطاء الترجمة.
اقرأ أيضا: أخطاء مكلّفة ومدمّرة في الترجمة سجلها التاريخ