تتردّد الحكايات عن قصص استغلال المترجمين في عالمنا العربي. وقد تنحصر جهود المترجم المستقل في الإبلاغ عن الجهة المستغِلة على صفحات الإنترنت لتحذير باقي الزملاء المترجمين منها. وهي وسيلة فعالة تعكس تعاضد المترجمين. وقد يستبق هذا الإجراءَ بالتأكد منذ البداية من مصداقية شركات الترجمة.
ولا يقتصر هذا الاستغلال على العالم العربي، بل يشمل أيضا المترجمين في الدول الغربية. ولكن تدخل الإعلام في مثل هذه القضايا يعطيها زخما ويدعم المترجمين المتضررين للحصول على حقوقهم. وهو ما ظهر في قضيةٍ أسهم تدخل الإعلام فيها ونشر تقارير عنها في إيصال صوت المترجمين إلى العملاء. ونتيجةً لذلك، توقف هؤلاء العملاء عن العمل مع الشركة رفضًا لاستغلال أولئك المترجمين المتعاقدين في كندا.
المحكمة تنصف المترجمين المستغَلّين لتحقيق أغراض تجارية
نشر موقع ميسيساغا الكندي في عام 2018 خبرا عن حكم أصدرته محكمة في مقاطعة أونتاريو، ضد شركة للترجمة في كندا بسبب إخفاقها المتكرر في دفع مستحقات المترجمين المتعاقدين معها. ووصفت المحكمة هذا التصرف بأنه “مقصود واعتيادي واستعلائي يهدف بوضوح إلى استغلال قطاع ضعيف من المجتمع لتحقيق أهداف تجارية”.
وأضاف قرار المحكمة بأن الشركة تستهدف بقوة المترجمين “المدربين حديثا من المهاجرين الجدد في كندا الذين يتطلعون إلى بدء حياة جديدة في بلد جديد”. وأورد القرار بأن الشركة استمرت في منح أولئك المترجمين المزيد من الأعمال كحافز لترقب أموالهم، وجعْلهم يشعرون بأنهم سينتظرون مدة أطول للحصول على مستحقاتهم في حال لم يقبلوا مواصلة العمل.
وفي المقابل، أفاد المتحدث باسم الشركة بأن تلك القضايا لا تشكل سوى 0.07 في المئة من حجم معاملات الشركة السنوي. وهو ما يجعله يقلل من أهمية تلك الشكاوى. وأضاف أن النزاعات تنشأ أحيانا ولمجموعة من الأسباب من بينها تقديم فواتير غير صحيحة، والإرسال المتأخر للفواتير، وعدم الالتزام بالمواعيد ومسائل أخرى متعلقة بالأداء. وأوضح أنها تعمل على حل تلك النزاعات.
ضحايا الاستغلال بالجملة وأرباح كبيرة للشركة
كان من ضحايا الشركة العديد من المهاجرين الذين يعملون في كندا بصفتهم مترجمين تحريريين وفوريين مستقلين. وكان محمد نازاروال أحد المترجمين المتضررين والذي عمل طبيبا في باكستان قبل أن يهاجر إلى كندا بصفته لاجئا. ويدين للشركة بأكثر من 1000 دولار عن عمل أتمه لصالحها في عام 2014. وبعدما حصل على جزء من مستحقاته، تَواصل إلكترونيا مع الشركة مرارا وتكرارا وانتقل شخصيا إلى مقرها للحصول على ما تبقى من مستحقاته. وتأرجح جواب الشركة له ما بين عدم وجود أحد يمكنه التحدث معه ومواجهة الشركة مشاكل مؤقتة لإنهاء إجراءات الدفع. وأما قرار المحكمة في هذا الشأن، فقد قضى بمنح السيد محمد مستحقاته المالية غير المدفوعة، إضافة إلى تعويضات أخرى عن الأضرار.
وتتعاقد شركة الترجمة المذكورة مع العديد من الشركات والجهات الكبرى. وأورد تقرير لجهة حكومية أن مبيعات الشركة السنوية تتراوح ما بين مليون دولار و4,999,999 دولار سنويا. ولا يكون العميل النهائي طرفا في العلاقة المالية بين شركة الترجمة والمترجمين. ولذلك، أفاد عملاءٌ للشركة في تصريح صحافي بأنهم يفترضون أن الشركة تدفع لمتعاقديها مستحقاتهم المالية. وقد قدمت الشركة خدمات الترجمة الفورية والتحريرية لعدد من المستشفيات وشركات التأمين وجهات حكومية في كندا.
المترجمون بين غياب الحماية القانونية ومماطلة الشركة
يعتبر القانونُ في كندا المترجمين الذين عملوا مع شركة الترجمة متعاقدين مستقلين، وهي الفئة التي لا تحظى بحماية قانون العمل الذي يحمي الموظفين فقط. ولهذا السبب، رفع المترجمون المتضررون ما يُسمى قضايا المطالبات الصغيرة، بدل تقديم شكاوى إلى وزارة العمل في إطار مستحقات الموظفين. وقضايا المطالبات الصغيرة هي قضايا مدنية تُرفع بخصوص مبالغ لا تتجاوز 10 آلاف دولار. ولذلك رُفضت شكاوى عدد كبير من أولئك المترجمين المقدمة إلى وزارة العمل لأنهم لم يكونوا موظفين ولأن الوزارة لا تملك صلاحية التحقيق في الأمر.
ورفع مترجمون مستقلون ووكالة الإيرادات الكندية-المكلفة باستخلاص الضرائب- ومدينون آخرون أكثر من 200 دعوى قضائية ضد الشركة خلال أربع سنوات. وتبرر شركة الترجمة عدم قدرتها على دفع مستحقات المترجمين بأنها مضطرة أولا إلى دفع الضرائب المتأخرة. وأمام عدم دفع الشركة الضرائب، حصلت وكالة الإيرادات الكندية على حكم بمصادرة أصول الشركة والحجز على منزل رئيسها وسياراته.
الإعلام يُسمع صوت المترجمين
أثّرت القضايا المرفوعة على سمعة الشركة بعدما سلط الإعلام الضوء عليها. وخسرت الشركة أحد أكبر عملائها وشركات خاصة ووكالات حكومية كانت تتعامل معها عقب كشف تقارير إعلامية عن تقصيرها المالي تجاه المترجمين المستقلين. ورفض هؤلاء العملاء التعامل مع شركةٍ لا تدفع مستحقات موظفيها وتماطل في ذلك. والمفارقة أن الشركة كانت تواصل عملها وتبعث رسائل إلكترونية للمترجمين المستقلين، بمن فيهم أولئك الذين رفعوا قضايا ضدها، لتقديم خدمات جديدة. ووضح أحد المترجمين الفوريين المتضررين أن عدم اتحاد المترجمين في وجه تلك الشركة في بحثها المتواصل عن مترجمين يمكّنها من استغلال المزيد منهم وإيقاع المزيد من الضحايا.
وانهالت تعليقات المترجمين المتضررين على إعلان الشركة في أحد المواقع الإلكترونية الذي يعرض تقييمات عملائها الإيجابية. وقالت إحدى المترجمات المعلّقات التي عملت لصالح الشركة إن المكانة المتميزة التي تحظى بها الشركة لدى عملائها ترجع إلى المترجمين أمثالها الذين وثقوا في الشركة وعملوا بتفان وإخلاص لتقديم خدمة جيدة. ودعت مترجمة متضررة أخرى الشركات من العملاء المباشرين إلى عدم دعم شركة الترجمة تلك من خلال العمل معها. وبذلك يسهم العملاء المباشرون بصورة غير مباشرة في الحد من استغلال المترجمين.
مصدر الصورة: Pixabay/Succo