يَتعرّض المترجِم للكثير من المواقف السلبية مع بداية دخوله مجال العمل الحُرّ، بدءاً من المنافَسة الشديدة بين المستقِلّين، ووصولاً إلى محاوَلة بعض العملاء دفع مبالغ زهيدة لا تَتناسب مع الجهد المبذول، ممّا قد يولِّد الشك في نفسه وقدراته على مواكَبة هذا المجال. كما يمكِن أن يؤدي إلى قلة الثقة بالنفس.
أولاً- ما هي قلة الثقة بالنفس؟
قلة الثقة بالنفس هي افتقار المستقِلّ إلى الثقة بشأن قدراته، ممّا يَجعله يَشعر بأنه غير كفُؤ أو غير مناسب للقيام بعمل معيَّن. كما قد يَخشى تجربة أشياء جديدة خوفاً من ارتكاب الأخطاء وخذلان العملاء. لذلك يمكِن أن تؤثِّر هذه المشكِلة سلباً على العلاقات الشخصية والمهنية.
وعلى الرغم من وجود العديد من الأسباب وراء قلة الثقة بالنفس، بما في ذلك ظروف الحياة ومكان النشوء وطريقة التربية، إلا أن أحد العوامل الرئيسية في تدني تقدير الذات يأتي من طريقة التفكير. فعلى سبيل المثال، قد يقنِع المترجِم نفسه بأنه ليس جيداً بما يكفي لإنجاز عمل ما، أو أنه لا يَستحق المردود المادي الذي يَحصل عليه مقابل جهده، حتى لو كان هناك أدِلّة واضحة تشير إلى عكس ذلك.
ثانياً- علامات ضعف الثقة بالنفس
تَشمل علامات ضعف الثقة بالنفس ما يلي:
1) الحساسية للنقد
إذا كان المترجِم يعاني من قلة الثقة بالنفس، فقد يَكون أكثر حساسية تجاه النقد، سواء من نفسه أو من الآخرين. لذلك بدلاً من أن يَستفيد منه لتصحيح أخطائه، فهو يَرى أن النقد يبرِز عيوبه فقط. ويؤكِّد عدم قدرته على فعل أي شيء بشكل صحيح.
2) الانسحاب الاجتماعي
إنّ رفْض الدعوات للذهاب إلى حفلة أو مقابَلة الأصدقاء، وإلغاء الخطط المجدوَلة في اللحظة الأخيرة، وعدم الرغبة عموماً في التواجد مع الآخرِين، هي إحدى علامات ضعف الثقة بالنفس. لذلك قد يَلجأ المستقِلّ إلى هذا السلوك للتهرُّب من إجراء المحادَثات أو التكلُّم عن حياته. فذلك سيَزيد من الاكتئاب والقلق اللذين قد يعاني منهما بالفعل.
3) العدوانية من علامات انعدام الثقة بالنفس
بالنسبة لشخص يعاني من قلة الثقة بالنفس، فإن التهجُّم على الآخرين أو التعامل معهم بطريقة عدوانية هو آلية دفاعية. لذلك إذا استَخدمها المترجِم لحماية نفسه عندما يَشعر بأنه على وشك التعرُّض للنقد، فهذا يشكِّل علامة واضحة على تدني تقدير الذات.
4) الانشغال المفرط بالمشكِلات الشخصية من علامات انعدام الثقة بالنفس
يَتسبّب القلق المستمِر بشأن المشكِلات الشخصية في استنزاف الكثير من الوقت دون إيجاد حلول فعالة. لذلك، عندما يعاني المستقِلّ من قلة الثقة بالنفس، فقد يواجه صعوبة في تقديم المساعَدة للآخرين أو التعاطف مع المحيطين به لأنه مشغول جداً في التفكير بمشكِلاته.
5) ظهور الأعراض الجسدية والنفسية من علامات انعدام الثقة بالنفس
تؤدي قلة الثقة بالنفس إلى ظهور بعض الأمراض النفسية والجسدية مثل الاكتئاب أو القلق أو فقدان الشهية. كما يمكِن أن تَقود المترجِم إلى عادات غير صحية مثل التدخين وتعاطي الكحول أو المخدِّرات.
ثالثاً- التعامل مع تدني تقدير الذات
يمكِن تعزيز الثقة بالنفس من خلال تغيير السلوك وطريقة التفكير. لذلك اتّبِع النصائح التالية إذا أردتَ التغلُّب على هذه المشكلة:
1) حدِّد الظروف والمواقف المزعجة بهدف زيادة الثقة بالنفس
توقَّف لحظة للتفكير في ظروف ومواقف معيَّنة في حياتك يبدو أنها دائماً ما تسبِّب قلة الثقة بالنفس. ونسُوق مثال الفشل في الحصول على فرصة عمل، أو التعامل مع أحد أفراد الأسرة أو الأصدقاء السلبيين، أو مواجَهة حدَث غير اعتيادي، مثل فقدان الوظيفة أو الانتقال.
2) كن على دراية بأفكارك ومعتقَداتك بهدف زيادة الثقة بالنفس
بعد تحديد الأوقات التي عانيت فيها من قلة الثقة بالنفس، قم بتقييم أفكارك عنها. فإذا توقَّفْت لحظة لملاحَظة ما تفكِّر فيه، عندها يمكِنك البدء في فهم ما إذا كانت ردود أفعالك مناسِبة تجاه ما حدَث أم لا. لذلك اسأل نفسك عن طبيعة الأفكار وتفسيرها في كل موقِف، وانتبه إذا ما كانت إيجابية أو سلبية أو محايدة. واسأل نفسك هل تَستند إلى حقائق جَليّة أم هي عبارة عن أفكار غير منطقية وخاطئة فقط.
3) تحدى الأفكار السلبية أو غير الدقيقة بهدف زيادة الثقة بالنفس
من المهم أن تَسأل نفسك ما إذا كانت أفكارك متوافقة مع الحقائق والمنطق، أم أن هناك تفسيرا آخَر أكثر صحة من تفسيرك. فعلى سبيل المثال، قد يَظن المستقِلّ بأن انخفاض وتيرة العمل ناتج عن تراجُع موهبته وقدراته. أما في الواقع، فإنها عادةً ما تَحصل بسبب التعب وقِلّة النوم. ولكن أحياناً يَكون من الصعب الابتعاد عن هذه المعتقَدات الراسخة كونها أصبحَت جزءاً من الواقع اليومي. لذلك من الطبيعي أن تَحتاج بعض الوقت للتغلُّب على أيّة مفاهيم سلبية كوَّنتَها سابقاً تجاه نفسك.
4) اضبط طريقة تفكيرك بهدف تعزيز الثقة بالنفس
لقد تمكَّنْت الآن من تحديد المواقف التي سَبّبَت قلة الثقة بالنفس، وأَصبحْت مدرِكاً لذاتك ولكيفية ظهور الأفكار السلبية في ذهنك، كما تَستطيع تقييم مدى صحتها. بدءاً من هنا تأتي الخطوة الأخيرة وهي تغيير طريقة تفكيرك بهدف تعزيز الثقة بالنفس.
وتذكَّر أن تفكِّر وتَشعر بالأمل، وركّز على الجوانب الإيجابية لجميع المواقف، مثلاً عندما تَرتكب خطأ في العمل. عندها فَكِّر بعقلية توماس إديسون، واعلم بأنك تَعلّمْت طريقة جديدة لا توصلك إلى النتيجة المطلوبة، وبالتالي سوف تَتفاداها لاحقاً في أعمالك القادِمة.
كلمة أخيرة
لا تَفقد الإيمان بنفسك وقدراتك مهما كانت المواقف التي تَتعرّض لها في العمل قاسية وغير منصِفة. ولا تَقلق عندما تَعترضك الأفكار المزعجة، لكن الأهم من ذلك هو ألّا تَتردد في مسامَحة نفسك. ففي النهاية، لا أحد كامل والجميع معرَّض للخطأ. وهذا لا يَجعلك شخصاً سيئاً بل يَجعلك إنساناً فقط.
المصادر
مصدر الصورة: Unsplash