يسعى العديد من المترجمين إلى تتويج مسيرتهم المهنية بالعمل لدى منظمة الأمم المتحدة. ويكون ذلك عن طريق اجتياز امتحان الأمم المتحدة في الترجمة (الامتحان التنافسي اللغوي) الذي تنظمه للمترجمين التحريريين. فثمة من يعتبرها فرصة ذهبية نظرا إلى الامتيازات التي يحظى بها المترجم التابع لها باعتباره موظفا دوليا، والعائد المادي المجزي، وإمكانات التطور الشخصي والمهني التي تتيحها. وفعلا، هناك من أغلق مكتبه المتخصص في تقديم خدمات الترجمة ليكون موظفا في الأمم المتحدة.
وفي المقابل، هناك من اختار عدم الالتحاق بمنظمة الأمم المتحدة والعمل داخل مقراتها رغم تحلّيه بالكفاءة اللازمة ومعرفته بكل تلك الامتيازات. ويرجع ذلك لأسباب شخصية وتفضيلية، على غرار ما أفاد به مثلا الأستاذ الجامعي فتحي عبد الرؤوف في حواره مع المدرسة العربية للترجمة. فقد اكتفى بالتعاقد مع المنظمة للعمل معها عن بعد وفي مهام مؤقتة. وبالتالي، تختلف الأولويات والاختيارات والأهداف من مترجم إلى آخر.
أولا- شروط اجتياز امتحان الأمم المتحدة التنافسي اللغوي
تجدر الإشارة أولا إلى ضرورة التمييز بين الامتحان التنافسي الذي تنظمه الأمانة العامة لمنظمة الأمم المتحدة والامتحانات التي تنظمها بشكل مستقل وكالاتها المتخصصة مثل منظمة الصحة العالمية والويبو والفاو. ويؤهل النجاح في امتحان الأمم المتحدة في الترجمة للعمل في أحد مقراتها الموجودة في دول مختلفة حول العالم.
ويجب أن يجتاز أي شخصٍ يرغب في العمل لدى منظمة الأمم المتحدة الامتحانَ التنافسي الذي تعلن عنه عندما تظهر حاجتها إلى مترجمين. ويُنصح بإنشاء حساب في الموقع الإلكتروني للمنظمة الخاص بإعلانات الوظائف للحصول على إشعار حالما يُعلن عن وظيفة جديدة. وسمّي امتحانا تنافسيا لأنه يخضع للمنافسة بين المشاركين، ويكون النجاح حليف من كان أداؤه أفضل في الامتحان. ومع أن المشاركين قد يكونون أبلوا البلاء الحسن في الامتحان، إلا أن الاختيار يقع على أفضل أداء. ولذلك يُنصح المرشحون الذين أخفقوا في الامتحان بالمحاولة مرة أخرى ومواصلة التمرن وتطوير مهاراتهم إلى أن يحين موعد الامتحان التالي.
اقرأ أيضا: 10 ممارسات مساعدة على تطوير مهارات الترجمة
وقدّم موقع إدارة شؤون الجمعية العامة والمؤتمرات التابع للأمم المتحدة شرحا عن طبيعة الامتحان ومكوناته. ويكون الإعلان عن هذا الامتحان التنافسي مشفوعا بشروط الأهلية وكيفية التقدم بطلب المشاركة التي قد تتغير من إعلان لآخر. ويُشترط عموما حصول المتقدّم على شهادة من المستوى الأول (الإجازة/البكالوريوس) على الأقل من إحدى الجامعات أو المؤسسات المُعتمَدة التي يكون مستواها معادلا لمستوى المؤسسات الجامعية. وليس من الضروري أن تكون هذه الشهادة في اللغات والترجمة. وحسب الموقع ذاته، يشترط عادة أن يكون المرشح قادرا على الترجمة إلى لغته الرئيسية من لغتين على الأقل من اللغات الرسمية الأخرى للمنظمة.
ثانيا- مكونات امتحان الأمم المتحدة التنافسي اللغوي
يُنظَّم امتحان الأمم المتحدة في الترجمة عن بعد ويتكون من ثلاثة أجزاء. ويشتمل الجزء الأول على اختبارين أو ثلاثة في الترجمة، قد يصحبها، في بعض الحالات، اختبار في التحرير و/أو تدوين المحاضر. ويجوز في هذا الجزء للمرشحين استخدام الموارد المتاحة على الإنترنت، ولا يجوز لهم استشارة أشخاص آخرين أو يحصلوا على مساعدة منهم. وبعد اجتياز هذا الجزء الأول من امتحان الأمم المتحدة للمترجمين، يُدعى المرشحون إلى المشاركة في الجزء الثاني الذي يخضع للمراقبة عن بعد. ويُجري المرشح اختبارين في الترجمة حيث يمكن أن يُطلب منه ترجمة نص دون الاستعانة بالقواميس أو موارد أخرى.
وفي الجزء الثالث، يجري المرشح مقابلة مع هيئة الامتحان التي تركز على مسائل الكفاءة. وتتأكد الهيئة من تحلي المترجم بالكفاءات والقيم التي يحتاجها داخل المنظمة، منها المهنية والقدرة على العمل في الفريق والقدرة على التعلم بصفة مستمرة. ويوفر موقع المنظمة نصائح تساعد المرشح على اجتياز المقابلة.
ثالثا- كيف تستعد لامتحان الأمم المتحدة للمترجمين؟
أضاف موقع إدارة شؤون الجمعية العامة مجموعة من النصائح المساعدة على التمرن لاجتياز امتحان الأمم المتحدة، وهي كالآتي:
1- الاطلاع على الأحداث والتطورات السياسية والاجتماعية والثقافية في جميع أنحاء العالم: يترجم المترجمون في الأمم المتحدة وثائق تتناول طائفة واسعة من المواضيع. ولذلك يعد الفضول الفكري الواسع والمعرفة العامة من الخصال المهمة المطلوبة في مترجمي المنظمة. وتُكتسَب هذه المعرفة من خلال مواكبة مجريات الأحداث عبر العالم واتباع آخر الأخبار.
2- المطالعة باللغات المستعملة في الترجمة: تساعد المطالعة على تطوير مهارة الكتابة وإجادة أساليبها. وتعزز أيضا المعرفة بالمواضيع المطروقة وتغني الرصيد اللغوي وتنمي الدراية بالتراكيب والعبارات المستعملة في تلك اللغات. وينصح الموقع المذكور المرشحين بمقارنة ما تنشره وسائل الإعلام عن نفس الأحداث بلغات مختلفة.
3- الاطلاع على مصادر أخبار الأمم المتحدة ووثائقها الرسمية: ينصح الموقع المرشحين بزيارة موقع المنظمة لمطالعة آخر الأنباء والمواد المحفوظة ومشاهدتها والاستماع إليها. ويُنصح أيضا بزيارة نظام الوثائق الرسمية للأمم المتحدة ومقارنة الصيغ اللغوية المختلفة للوثيقة نفسها من أجل الإلمام بالأساليب والمصطلحات المستعملة فيها.
4- ترجمة أجزاء من وثائق الأمم المتحدة الرسمية ومقارنتها بالترجمات المنشورة على موقعها: يُنصح في إطار التمرن على الامتحان بترجمة أجزاء من الوثائق الرسمية المتوفرة للعموم من اللغة المترجم منها إلى العربية. وتقارنُ بعد ذلك ترجمتك بالترجمة المنشورة المنجزة في الأمم المتحدة. ويُنصح بترجمة أكبر عدد ممكن من المواضيع المختلفة. فعندما تتعرف على مختلف القضايا التي تُعنى بها الأمم المتحدة، سيفيدك ذلك في ضمان دقة فهمك وتفسيرك للنصوص التي تترجمها.
5- التمرن على السرعة: يُنصح بتحديد مدة زمنية لكل تمرين على الترجمة وإنجازه ضمن تلك المدة المحددة. وهذا يعني أن المرشح ينبغي أن يكون قادرا على العمل تحت الضغط.
رابعا- نصائح مترجمين شباب في الأمم المتحدة استعدادا للامتحان التنافسي بناءً على تجربتهم
نشرت دائرة الترجمة العربية في مقر الأمم المتحدة في نيويورك مقطع فيديو على قناة يوتيوب عن طريقة التحضير للامتحان التنافسي اللغوي. ويعرض مترجمون شباب يعملون داخل مقر المنظمة مختلف الوسائل التي ساعدتهم على اجتياز الامتحان التنافسي بنجاح. وتتمثل طرق التحضير للامتحان المعروضة في الشريط في ما يلي:
– مطالعة الصحف العالمية الكبرى يوميا باللغات التي يجيدها المترجم؛
– التمرن على ترجمة بعض المقالات في وقت محدود وفي ظروف مشابهة لظروف الامتحان؛
– الاطلاع على المصطلحات والوثائق المترجمة من الإنجليزية إلى العربية في مواقع الأمم المتحدة الخاصة بالوثائق وقواعد البيانات؛
– ترجمة نصوص في مواضيع مختلفة من خلال العمل مع مترجمين ومنظمات أخرى. وكانت التجربة المهنية أيضا وسيلة فعالة للتمرن على الامتحان والاستعداد له.
وإضافةً إلى ذلك، يمكّن التطوع في مجال الترجمة من التدرب واكتساب خبرة من خلال مختلف المواضيع التي تتطرق إليها الوثائق المقدمة للترجمة. ويفتح عددٌ من الجهات باب التطوع مثل برنامج الأمم المتحدة للعمل التطوعي عبر الإنترنت الذي يسمح بالعمل على نحو تطوعي لصالح منظمات غير ربحية في مجال الترجمة.
خامسا- العوامل المحددة لجودة الترجمة
قبل الشروع في عملية الترجمة، يُنصح بقراءة النص كاملا لفهم السياق بصورة أفضل. وحدد الموقع جودة الترجمة في الدقة في نقل المعنى دون زيادة غير مبررة أو تحوير صارخ. وتعد سلامة الأسلوب أحد العوامل المحددة أيضا لجودة الترجمة. ولذلك ينبغي التقيد بقواعد النحو والإملاء والترقيم، واستعمال المصطلحات الصحيحة، وتوخي الفصاحة. وتعني الفصاحة استعمال كلمات ظاهرة المعنى ومألوفة، والامتثال لقواعد اللغة وخلوها من التعقيد اللفظي والمعنوي وكثرة التكرار وتتابع الإضافات.
وينبغي أيضا حفظ الاتساق من خلال توحيد المصطلحات في جميع أجزاء الوثيقة المترجَمة. وإضافةً إلى ذلك، ينبغي أن يطابق شكل الترجمة شكل النص الأصلي. وينبغي التأكد من انسياب الترجمة بقراءتها قراءة أخيرة قبل تسليمها. وتوجد قائمة بالأخطاء اللغوية وغير اللغوية قد يحصل عليها المُراجع لتحديد مدى جودة الترجمة.
وفي الختام، تحتاج مهارة الترجمة إلى تدريب وممارسة متواصلين استعدادا لاجتياز امتحان الأمم المتحدة في الترجمة. وتتطلب الاطلاع الدائم على المستجدات في الساحة العالمية للتمكن من فهم المواضيع المطلوب ترجمتها واعتماد المصطلحات الملائمة. فالتدريب والممارسة خير طريق لتطوير المهارات والإتقان.
اقرأ أيضا: 8 مواقع موثوقة للتدريب على الترجمة دون مُراجع
مصدر الصورة: Pixabay