تدربتُ قبل عدة سنوات في إحدى وكالات الأنباء بعد نهاية العام الدراسي. وقد درسنا أكاديميا الترجمة في عدة مجالات متخصصة من بينها الترجمة الإعلامية أو الصحافية. وكنا خلال هذه الحصة الدراسية نناقش النص الصحافي من حيث أفكاره ومصطلحاته وسياقه وجمهوره المستهدف قبل أن نشرع في ترجمته. وكانت الترجمة تشمل النص كاملا فنترجمه جملة بجملة. وكانت هذه فكرتي عن الترجمة الإعلامية/الصحافية.
وعندما درست الترجمة للمرة الثانية لنيل شهادة أخرى، اتبع أستاذ آخر نفس المنهجية. فقد كنا نناقش النص ثم نترجم جُمله واحدةً تلو الأخرى إلى أن ينتهي وقت حصة الترجمة الإعلامية أو الصحافية. وعندما انتهى العام الدراسي، التحقت بإحدى وكالات الأنباء متدرّبةً لتطبيق ما تعلمته نظريا.
التدريب العملي والترجمة التلخيصية لأول مرة!
خلال تدريبي بوكالة الأنباء، وجدت الواقع المهني مختلفا عن التنظير على عدة مستويات. وكأنني أكتشف الترجمة الصحافية لأول مرة. وهناك يُطلب من المترجم ترجمة النص ترجمة تلخيصية لا تنقل سوى أبرز أفكار النص الأصلي التي ستهم المتلقي في اللغة الهدف. وكان يتعين للقيام بذلك قراءة النص واستخلاص أبرز الأفكار التي ستهُم المتلقي في اللغة الهدف ونقلها في نص مُترجم موجز دون الإخلال بالمعنى المُراد نقله في الخبر الأصلي.
وكانت المقالات الإخبارية تأتي من القسم العربي أو الفرنسي. فيتعين على المترجم في القسم الإنجليزي اختيار المقال الذي يتناول موضوعا يهم المتلقي في اللغة المنقول إليها وترجمته ترجمة تلخيصية، ولاسيما إذا كان مستفيضا. وقد لا تحتاج بعض المقالات إلى هذه العملية عندما تكون مقتضبة في الأصل، وهو ما يسهّل مهمة المترجم.
ومن جهة أخرى، يشكل عامل الوقت ضغطا على المترجم نظرا إلى أن الخبر يرتبط بتوقيت نشره في اللغة الأصل. وينبغي نشره أيضا بالتزامن مع نقل الوكالات الأخرى له أو ربما قبلها. ولذلك يتعين ترجمة الخبر في أسرع وقت ونشره بلغة سليمة وواضحة.
وتدفع هذه الترجمة التلخيصية المترجم إلى أخذ نوعية القارئ بعين الاعتبار والهدف من الترجمة. وهذا يحتم عليه التصرف في النص دون زيادة لم يذكرها زميله الصحافي في النص الأصلي أو نقصان يؤثر على فهم معنى الخبر. وتوجد دون شك ترجمات صحافية لمقالات ترجمةَ كاملة، وهو ما يرتبط بالهدف من الترجمة على غرار التحقيقات الصحفية ومقالات الرأي.
مترجم وصحافي في آن واحد
لم يكن يقتصر عمل المترجم في تلك الوكالة على الترجمة، وإنما كان يعمل بصفته مترجما وصحافيا في آن واحد. فقد كان يُكلف أيضا بتغطية أحداث خارج مقر عمله وإعداد تقارير عنها ونشرها. وتوكل إليه طبعا مهمة ترجمة المقالات الإخبارية داخل مقر العمل. وبالإضافة إلى ذلك، يتناوب مع زملائه على تحرير موضوع صحافي على نحو دوري.
وبالتالي، يقوم المترجم في الترجمة التلخيصية بإعادة كتابة نص جديد في اللغة المنقول إليها عن طريق الحفاظ على المعنى العام للنص الأصلي، وعدم نقل التفاصيل غير المهمة، ومراعاة الجمهور المستهدف خلال اختيار نص خبري يلائم اهتماماته. وأما التحدي فيبقى ضيق الوقت لدى المترجم الذي يتعين عليه قراءة النص، واستخلاص أبرز أفكاره، وإعادة كتابة النص من جديد باللغة الهدف واضعا بعين الاعتبار القارئ وما يهمه من الخبر. ويكتسب المترجم دون شك هذه المهارات بالتدرب والممارسة.
وختاما، يُظهر الواقع العملي أحيانا التفاوت بين التنظير والتطبيق ويبين أهمية الموازاة بين التدريب والدراسة. فعندما يلاحظ طالب الترجمة هذا التفاوت خلال فترة تدريبه، قد ينبه أستاذَه إليه ويسهم في إدماج هذا النوع من الترجمات في المقرر الذي يُفترض به أن يعدّ المترجم ليكون مستعدًّا لمواكبة متطلبات سوق العمل. وفي حال عدم إيجاد فرصة للتدرب في إحدى وكالات الأنباء، يمكن أن يلجأ الطالب إلى الترجمة التطوعية التي قد تكون عن بعد مع منصة إخبارية.
اقرأ أيضا: الترجمة الصحفية: تحدياتها والمهارات المطلوبة والأخطاء المرتكبة
مقالة رائعة ومفيدة .
شكرا فاطمة على مرورك الطيب.
مقال واقعي ويبرز البون الواسع بين النظرية والتطبيق في الوطن العربي وان كان ممن زاوية محددة
شكرا على تعليقك