يُحتفل اليوم (30 سبتمبر) باليوم العالمي للترجمة. وترجع فكرة تخصيص يوم للاحتفاء بالترجمة إلى الاتحاد الدولي للمترجمين الذي أطلق هذه الفكرة في عام 1991، لإظهار تعاضد المترجمين في جميع أنحاء العالم وتعزيز هذه المهنة. ولم يختر الاتحاد هذا اليوم عبثا، بل يوافق هذا التاريخ عيد القديس جيروم، وهو مترجم الكتاب المقدس من العبرية إلى اللاتينية، الذي يُلقب بقديس المترجمين.
1) الترجمة متغلغلةٌ في حياتنا اليومية
يُعد الاحتفال بمناسبة اليوم العالمي للترجمة فرصةً للتّذكير بأهمية هذه المهنة وقيمة عمل المترجمين الذين يعملون خلف الكواليس. ففي عالمنا الذي أصبح اليوم أشبه بقرية صغيرة، نكاد نستفيد من عمل المترجمين على مدار اليوم. فالمعلومات الغذائية للمنتجات التي نشتريها مُترجمة إلى اللغة العربية إلى جانب اللغة الأصلية لأنها تستهدف المستهلك العربي؛ ومكونات المنتجات التجميلية مُرفقة في كثير من الأحيان بالترجمة العربية لأهداف ترويجية. وعندما نفتح جهاز التلفاز، فإننا نشاهد إعلانات أجنبية لسلع مستوردة مُترجمة باللغة العربية، ثم يليها برنامج وثائقي لقناة أجنبية مترجم إلى اللغة العربية. وفي النشرة الإخبارية التي تبثها الإذاعة، ينقل المذيع تصريحا لمسؤول أجنبي مُترجما إلى العربية. ولن ننسى المقالات المنشورة في المواقع الإخبارية عن أخبار العالم المُترجمة عن مواقع أخرى أجنبية إلى اللغة العربية في شتى المجالات.
2) أهمية الترجمة على مر التاريخ
يعكس وجود الترجمة في حياتنا على هذا النحو أهميتها الحتمية كوسيط من أجل التواصل مع الآخر، والتعرف على أفكاره، وفي البناء المعرفي. وتُمكّننا أيضا من مواكبة التطور الحاصل في المجتمعات المتقدمة. ولم تظهر أهميتها في عصرنا الحالي بفعل العولمة، وإنما اعتمد عليها الإنسان منذ القدم عند ظهور حاجته إلى التواصل. فمن سنن الله في الخلق اختلاف ألسنة الشعوب والقبائل فوق هذه الأرض.
وإضافةً إلى ذلك، تزامنت الترجمة مع التطور الحضاري لكل أمة وكان يُستعان بها كمرحلة أولية لتطوير العلوم. فعلى سبيل المثال، ازدهرت الترجمة في العصر العباسي عند العرب المسلمين حينما قاموا بتعريب عدد كبير من النصوص العلمية والطبية والفلسفية الإغريقية، ليُستعان بها لتطوير العلوم ولتبزغ بذلك الاختراعات العربية الإسلامية. وقد تم ذلك في بيت الحكمة ببغداد تحت إشراف الطبيب الفيلسوف اللغوي المترجم حنين بن إسحاق.
واليوم، تتواصل حاجة الشركات والمؤسسات إلى الترجمة. ويتوفّر عددٌ من الأدوات المساعدة على الترجمة مثل ميموكيو وترادوس بالموازاة مع التطور التكنولوجي. وظهرت أيضا مجموعة من المواقع الخاصة بالمترجمين التي تَصل بين المترجمين المستقلين والشركات. وتأتي الاستعانة بالمترجمين المستقلين للاستجابة لحاجيات السوق.
3) تحديات المترجم المستقل
على الرغم من أهمية الترجمة والحاجة المستمرة إلى خدمة المترجم، يواجه المترجم المستقل مجموعة من التحديات التي ترجع إلى طبيعة عمله الحر. فمازال المترجم المستقل يواجه خطر التحايل عليه وعدم حصوله على مستحقاته المالية. وهذا يرجع إلى عدم وجود جهة رسمية معينة يمكن للمترجم أن يحتكم إليها من أجل الدفاع عنه في حال تعرضه للاحتيال. ويقع على عاتق المترجم اتخاذ مجموعة من التدابير الوقائية لتجنب الاحتيال مثل التحقق من مصداقية العميل.
ومن جهة أخرى، لا يوجد حد أدنى للأسعار يلتزم به المترجمون المستقلون نظرا إلى وجود دخلاء في مجال الترجمة مستعدين للقيام بأي نوع من الترجمة بمقابل مادي زهيد. وهو ما يشكل تحديا للمترجم المستقل في بحثه عن العملاء. ولا بد أن يأخذ المترجم المستقل مصاريف التغطية الصحية والتقاعد في الحسبان عند تحديد أسعار خدماته. وهو ما يطرح تحديا آخر يتمثل في تكفله شخصيا بتغطيته الصحية وتقاعده اللذين لا يتحملهما العميل نظرا إلى طبيعة العمل الحر. وعلى خلاف المترجم الموظف، ينبغي أن ينخرط المترجم المستقل بنفسه في تلك الخدمتين. وعلى الرغم من كل هذه التحديات، يختار الكثيرون العمل الحر في مجال الترجمة ليعملوا فيه بشغف بحيث يلبي طموحهم ويقدمون من خلاله خدمةً للآخرين.
وفي الختام، أتمنى أن يكون الاحتفال بهذا اليوم مناسبةً لزيادة الوعي بمهمة المترجم وأهمية الترجمة، وفرصةً لإيلاء أهمية أكبر للمترجم ووإدراك مدى أهمية دوره في عالمنا. وكل عام والمترجمون في أصقاع العالم بألف خير.